للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حرب الأجيال]

للأستاذ عباس محمود العقاد

أعلن الناقد الإنجليزي (فرانك سوينرتون) في صحيفة (الأوبزرفر) عن قرب صدور الكتابين الجديدين للمؤلفين الكبيرين (ولز) و (موجهام) فقال في مقدمة كلامه:

(هناك تناقض يغري بالتساؤل بين موقف العصريين وموقف الجيل الفكتوري حيال الكتاب النابهين. فقد كان هؤلاء الكتاب يحاطون بالإجلال المرهوب حين ينتهون إلى الشيخوخة ويقلعون عن التأليف، وكانوا قبلة التبجيل والتشريف والحجيج من سائر البلاد. أما اليوم فنقيض ذلك هو الواقع: اليوم يلبث كتاب الأمس في الميدان ولا يخرجون منه ولا يتطلعون إلى إجلال مرهوب أو يستقبلون التبجيل والتشريف، وكل شاب ذي ملكة موهوبة يقتضيهم الثناء السخي والتشجيع ولكنه يرى لنفسه حقاً في الإنحاء عليهم واتهامهم بالوقوف في طريق الثورة الأدبية)

هذه حرب الأجيال التي يتحدثون عنها في البلاد الأوربية، ويقصدون بها قيام جيل من الكتاب والأدباء وراء جيل، ومحاولة الجيل الجديد أن يفسح له مكاناً إلى جانب الأعلام النابهين في ميدان الأدب والتأليف

وهذه الحرب قديمة لم تنشأ في زماننا هذا ولا في الزمان الذي قبله وإن اختلفت فيها الدعاوى والأساليب

ولكنها اشتدت في الجيل الحاضر لعوامل جديدة طرأت عليها: منها التزاحم العنيف، ومنها أن النظرة إلى (الماضي) اختلفت بين العهد الفكتوري والعهد الحاضر، أو بين أوائل القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين

كان التوقير حقا للماضي، لأن الناشئين كانوا ينتظرون منه كل شيء ويتجهون إليه إذا أرادوا العلم والخبرة والحنكة والهداية

أما اليوم فقد جدت مشكلات نفسية واجتماعية ليس للماضي فيها تصريف ولا احتيال، ولا يتجه فيها أحد إلى الماضي ليعرف ما عنده لها من علاج وتدبير، لأنها لم تكن معروفة فيه ولم تكن معروضة على أهله، فتحول الاتجاه من الماضي إلى المستقبل، وبطل ما كان مألوفا مقررا للماضي من التبجيل والتشريف

<<  <  ج:
ص:  >  >>