قرأت لك في مقال أنك تساعد ناشئة الأدب. واشترطت لذلك شروطاً. وإني راض بها واليك ما يزيدك معرفة بي: أني قراض تذاكر. أجري ضئيل يبلغ ١٢٠مليماً في اليوم. وإطلاعي محدود. وذلك ناتج عن فقري. لا أقرأ غير الرسالة والرواية والثقافة. ولم أقرأ من الكتب غير بعض مؤلفات المنفلوطي وكتب أخرى. وكانت كتاباتي جيدة في الموضوعات الخيالية فقط. ولكني منذ بدأت أتأثر بكم تغلبت طريقتكم علي. وأنا قوي الذاكرة وأميل إلى التفكير. وأستطيع أن انفق في شراء الكتب الأدبية ما يقرب من نصف الجنيه شهرياً كما أني أستطيع أن أختلس للأدب خمس ساعات يومياً. لعل في هذه الإيضاحات ما يهون عليكم أمر مساعدتي على السير في طريق الأدب الذي تصفونه بأنه وعر شائك. ولقد زاد إغرائي به ما نشرتموه في (الرسالة) من تحذير للشبان من الاشتغال به في هذا العصر. . .!
نشرت هذه الرسالة التي جاءتني ضمن عشرات الرسائل في هذا الموضوع لسبب واحد: هو عجبي وإعجابي بقارىء تلك حاله. يبذل عن طيب خاطر سدس مرتبه الشهري وقسطا وافراً من وقته في سبيل الأدب. إنه ذكرني بقراء أوربا. أولئك الذين يخصصون جزءاً ثابتاً في ميزانياتهم للكتب ووقتاً منتظماً معلوماً للقراءة. مثل هؤلاء القراء هم الذين قامت على أكتافهم نهضات أوربا الأدبية. وهم الذين ظهر من بينهم أدباء أوربا العظام. فأن الأديب لا يتخرج في مدرسة. إنما ينبت في حقل الكتب والمطالعات الشخصية. وفي الأدب الفرنسي الحديث مثل صارخ لأديب من أصل بلقاني هو:(باناييت استراتي) لم يكن يعرف الفرنسية ولكنه غرق سنوات في المطالعة وضنّ بماله القليل على الطعام وأنفقه في شراء كتب جعل يلتهم صفحاتها التهاماً. وإذا هو في يوم من الأيام قد استطاع الكتابة بالفرنسية وإذا هو كاتب معروف يربح من كتبه الألوف. أعطوني إذن ألفين من طراز هذا القارئ وأنا أضمن لمصر نهضة أدبية رائعة وأدباء جددا يسيرون في طريق المجد.