من الحقائق المسلم بها أن الإنسان مضطرب إلى أن يعمل
وهو إذ يعمل، ينتشر فيما حوله بتأثير أفعاله. فنحن لا نستطيع أن نتحرك، أو أن نتنفس، أو أن نحيا، أو أن نفكر، دون أن نسجل طابعنا في الخارج. ومن المشاهد أن جو الفردية هو بطبيعته محدود ضيق النطاق. فكل فعل يصدر عن الإنسان لا يلبث أن يصبح هو نفسه كائناً حياً له طابعه الخاص الذي يدل على حياة شخصية معينة. ولهذا فإن ثمة إشعاعاً ذاتياً يسم بطابعه الخاص كل حركات الشخص وأقواله، فالفعل يعبر عن فردية صاحبه، أي عن ذاتيته الخاصة، لأنه عبارة عن نية الشخص وهي في سبيل التحقق
ومن مظاهر النشاط الإنساني تلك الرغبة الملحة التي يجدها الناس، في أن يؤثروا بأفعالهم في الآخرين، فتطبع كل منهم صورته في الآخرين، ويسمهم بطابعه الذاتي، وبذلك يحيا مع الآخرين بحيث يكونون له شهوداً وشركاء ومعاونين ومقلدين. وليس الفعل عبارة عن عمل خاص يتصل بصاحبه فحسب، وإنما هو عمل كلي يتصل بالآخرين جميعاً. وتتمثل هذه الصلة في التأثير الذي يحدثه العمل الواحد في نفوس الآخرين بعد أن يتحقق في الخارج؛ وهذا هو ما يعطي الأفعال الإنسانية كل قيمتها، لأن هذه الأفعال هي عبارة عن نيات متجسدة، وقيم أخلاقية متحققة، ومثل عليا متجسمة؛ وهي تقوم بدور المؤثر الفعال في المجتمع، لأن الأفراد يستطيعون أن يفهموا معنى تلك الأفعال، ومن المحتمل أن يقعوا تحت تأثيرها.
وللفعل الواحد قدرة غير محدودة على الانتشار، على الرغم من أن ثمة أفعالا قد تبدو لنا تافهة لا معنى لها. فلو ضربنا صفحاً عن تلك الأفعال التي لا تدخل ضمن ما يعمله الإنسان في سبيل تحقيق غايته، وأمكننا أن نقول: إنه لا يمكن أن يوجد فعل إنساني بمعنى الكلمة هو عديم القيمة بالنسبة إلينا.
وما عمله الإنسان بنفسه، أو بالاشتراك مع غيره، لا يمكن أن يكون خاصاً به وحده، أو بمن شاركه وحده؛ وإنما هو عمل خاص بالجميع، بل إنه - منذ لحظة تحققه - موجه