ذهب الأستاذ الزيات لزيارة صديقه (عين) فوجده مضى لقضاء أيام العيد بين أهله في المنوفية، ثم نظر في غرفة الاستقبال فرأى (منظار) الصديق فوق إحدى المناضد، فوضعه على عينيه ليعرف إلى أي حد تبدو الخفايا لمن يحمل ذلك المنظار العجيب، ثم هام في شوارع القاهرة يتوسم وجوه الناس فرأى فيهم غرائب وعجائب يشيب من هولها الوليد، فتفزّع وقال وهو يحاور ذلك الصديق:
(أتريد أن أرد إليك منظارك، أم تسمح لي أن أجرّبه على عين الدكتور مبارك؟)
وما أحب أن أعود إلى تشريح مقال الأستاذ الزيات، لأنه مقال محزن، وأنا أخاف على نفسي وعلى القراء من النظر فيه من جديد
ولكن لا بأس من النظر في التجربة التي يقترحها أخونا الزيات، وهو يريد أن أرى العالم مرة من وراء ذلك المنظار الذي نقل فهمه للدنيا والناس من حال إلى أحوال
وأسارع فأقول: إن ما رأيته بالعين الطبيعية فيه الكفاية وفوق الكفاية، فمن الرفق برجل في مثل حالي أن تعفى عيناه من النظر إلى الناس بمنظار يفضح ما خفي واستتر من دقائق المساوئ والعيوب
الزيات هو الذي يحتاج إلى منظار يرى به خلائق الناس، لأنه كثير التلطف والترفق، ومن كان كذلك فهو قليل التعرض لآفات الناس، ومن هنا يقلّ علمه بما فيهم من دميم الغرائز وذميم الخصال
أما أنا، فقد دخلت على الناس في جحورهم وأوكارهم، وما زلت أهيجهم بقلمي حتى أسمعوني أعنف ما يملكون من هرير ونباح وعواء. وهل ابتلي أحد بأهل زمانه كما ابتليت؟ وهل عانى أحد من لؤم زمانه بعض ما عانيت؟
وهل بين قراء اللغة العربية في مصر والشرق من يجهل بليتي بزماني؟
لقد شكوت دهري وشكوت ثم شكوت، حتى عطف عليّ أعدائي، فما حاجتي إلى منظار أرى به المستور من خلائق الناس، وقد اكتوت يدي واكتوى قلبي بالسعير الذي يتمرد كلما سمع باسمي أو رآني؟