للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الروتين الحكومي:]

إرادة الصغير إدارة الكبير

من العجائب التي قلما يعجب لها أحد أن هذه الأداة الحكومية على ضخامتها وجلائها وخطرها، إنما يحركها صغار الموظفين حيناً بالعقل وأحياناً بالهوى؛ فإذا حدث في أسافلها الخطل أو الخلل - وكثيراً ما يحدث ذلك عن جهل أو عن علم - أصَّعَّد آلياً في أعاليها حتى يبلغ ذرى الرياسة فيدخل على المدير أو على الوزير، مزوداً بالتقارير الشارحة، مؤيداً بالتواقيع المختصة، فلا يسمعه إلا أن يصدق ما بين يديه، فيقبل الخطأ على أنه صواب، ويرد الحق على أنه باطل. وتلك إحدى سيئات الييرْر شية وهي النظام الإداري الذي يقضي بتدرج المناصب في العمال والأعمال والتبعات، فيبدأ الأمر بالأصغر فالصغير، ثم ينتهي إلى الكبير فالأكبر؛ وقلما انتقل الأمر من درجة إلى درجة أسرع النظر فيه، وقلت الرقابة عليه، وخفت المسؤولية عنه.

فالعهدة في هذا النظام كما ترى على الضمير، إذا سلم سلمت الإدارة وانتظم العمل، وإذا اعتل اعتلت الحكومة واضطرب الحكم. أما حياطة القانون (للأوراق الرسمية) بتشديد العقاب على من عبث بها أو زوّد فيها فذلك أمر لا طائل من ورائه إذا خفي العبث أو غفت الرقابة أو اشتركت المنفعة!

تعال أقص عليك بعض ما أعلم على هذه الييررْ شية من سوء عسى أن يكون في قصصه إنعاش لضميرك إن كنت عاملا في هذا النظام وعبثت به، أو تعزيه لنفسك إذا كنت معمولا به وتأذيت منه:

غضب مالك الأرض في قريتنا على شباب من شبابها الأخيار لأنه جرؤ عليه يوماً فطلب منه أن يردم بِرَكه التي تحيط بالقرية إحاطة الغُل بالعنق وأراه أن من الخير له أن يقي فلاحيه حمي الملريا ليظلوا قادرين على ري أراضيه بعرقهم وتغذية خزائنه بدمهم وكان لهذا المالك الغضبان قرابة ببعض أولي الأمر في وزارة الداخلية، فاستعداهم عليه، فألف الإداري الصغير تقريراً غيابياً عن هذا الرجل رماه فيه بتهديد حياة الناس بالإجرام، وتكدير أمن البلاد بالشغب، ووافق المأمور المعاون، وأيد المدير المأمور، وصدق الوزير المدير، وحُكم على البريء حكما عسكرياً بالاعتقال ستة أشهر تجدد لمثل ذلك، إذا لم يرض

<<  <  ج:
ص:  >  >>