تعاودنا في كل عام بعض الذكريات الأليمة التي يغص بها تاريخنا الحديث؛ وفي الأمم المغلوبة التي سلبت أعز ما تزهو به الأمم، أعني حرياتها القومية، تنسخ الذكريات الأليمة كل ماعداها من ذكريات الفخار والمجد؛ وإذا أتيح لها يوماً أن تحتفل بإحدى هاته الذكريات المجيدة، فان محنتها الحاضرة تكدر دائماً صفاء شعورها القومي، وتذهب بكل ما يمكن أن تأنس به من كبرياء وغبطة وفخار.
وقد مرت بنا منذ أسابيع قلائل بعض هذه الذكريات السود في تاريخنا: حوادث الإسكندرية المشئومة في ١١ يونيه؛ وضرب الأسطول الإنجليزى للإسكندرية في ١١ يوليه؛ وستحل بعد أسابيع قلائل ثالثة الذكريات المفجعة، أعني تمام احتلال الإنجليز لمصر في ١٥ سبتمبر؛ ومنذ عامين كان قد انقضى على ضياع الحريات القومية وقيام الاحتلال الأجنبي في مصر خمسون عاما. فكيف نستقبل هذه الذكريات المؤسية في تاريخنا القومي؟ وماذا نفيد منها من عظات وعبر؟
الواقع أننا لا ننسى هذه الذكريات التي تعاودنا كل عام، وينبهنا إليها دائماً استمرار المحنة واستمرار الاعتداء على حقوقنا وحرياتنا. وقد تكون الذكرى وحدها فضيلة. ولكن الذكرى المجردة لا تكفي دائما للإفادة من عبر الحوادث وتغذية الشعور القومي وإذكاء الهمم للنضال في سبيل استرداد الحقوق المسلوبة. وما الخير في أن نستقبل هذه الذكريات كل عام بعدة فصول ومقالات في الصحف تكاد تتفق دائماً في ألفاظها ومعانيها: بكاء على الماضي، ورثاء للاستقلال الذاهب، واستنكار للاعتداء الواقع، وتنديد بنكث المعتدي، وتشهير بأساليب الاستعمار؟ هذا ما نقرأ دائماً في صحفنا في هذه المناسبات، وهذا كل ما نفعل لاستقبال ذكرى الحوادث والخطوب التي ذهبت بحرياتنا واستقلالنا. وهذا حسن بلا ريب؛ ولكنه لا يكفي لتحقيق الغاية القومية التي يعلق تحقيقها عليه.
وليس هنا مقام تفصيل ما يجب أن تعمله أمة كأمتنا في مثل هذه المناسبات. ولكن الجهاد السلمي لإحياء الشعور القومي، وإعداد الأمم للنضال في سبيل استرداد حقوقها متعدد الوسائل والصور. وترديد النواح والعبارات المؤثرة لا يفيد شيئاً في سبيل استقلال الأمم؛ وإنما يفيد أن تثير دعوة مقنعة لبيان حقك، وأن تتخذ هذه المناسبات لتنظيم جهود سلمية جديدة، سياسية أو اقتصادية في سبيل الكفاح القومي؛ وأن تعقد الاجتماعات والمحافل