كنت ألقيت في ردهة المجمع العلمي العربي بدمشق محاضرة في غريب اللغة قصصت في آخرها خبر الأميرة العمانية (ابنة الجلندي)، وكانت تحمق، أي تنسب إلى الحمقى. وقد ذكروا من حمقها أنها أرادت يوماً أن تلهو، فألبست سلحفاة لها حليّ زينتها، ونزلتها تسرح في حديقة قصرها. وكانت الحديقة على شاطئ البحر، فانسابت السلحفاة إلى الشاطئ وغاصت في الماء بما عليها من الحلي. فأمرت الأميرة جواريها أن يغترفن ماء البحر بأكفهن، ويصببنه على رمل الساحل. وكانت تقول لهن منشطة (نزافِ نزافِ، لم يبق غير قُدافِ) أي لم يبق غير غرفة؛ فعيروها بحمقها، وضربوا به المثل. فتخيلت أنها دافعت عن نفسها بقولها: إن الحروب البشرية التي يقع فيها التغريق والتدمير، لم ينسبوا أهلها إلى الحمقى، فكيف يحمقونها هي؟ ثم قلت على لسانها (أنا غرّقت وهم غرّقوا، وشتان بين ما محَّقت ومحَّقوا، أفيكون من العدل أن أحمّق ولا يحمّقوا؟)
فاستعملت فعل (محّق) من باب (التفعيل)، وعلى أثر ذلك كتب الأستاذ صلاح الدين المنجد في مجلة الرسالة الزاهرة (العدد ٤٤١ من السنة التاسعة) مقالاً أثنى فيه على المحاضرة، ولكنه أنتقد استعمالي لفعل (التمحيق مكان (المحق) وسأل عما إذا كان يصح هذا الاستعمال، فأحببت أن أجيبه على نقده بالكلمة التالية:
حقاً إن فعل المحق لا يجيء في كلام العرب إلا ثلاثياً، ونقل بعضهم مجيئه من باب الإفعال، لكنهم اتفقوا على أنه لغة رديئة بل أنكرها الأصمعي بالمرة. هكذا قال أصحاب اللسان والصحاح ومختار الصحاح والمصباح، فإنهم جميعهم ذكروا (المحق والإمحاق) ولم يذكر التمحيق. وقد خالفهم في ذكره صاحب القاموس وشارحه وهذه عبارتهما:(محقه كمنعه محقاً أبطله ومحاه، كمحّقه تمحيقاً للمبالغة. ومنه قراءة عبد الله بن الزبير (يمحق الله الرّبا، ويُرِّبي الصدقات، يمحق من التمحيق ويربي بتشديد الباء من التربية) هـ وظاهر هذا القول أن التشديد لغة في التخفيف
وأرى أن قول أرباب المعاجم هو الحق، وأنه لا (تمحيق) في اللغة، وإنما الذي فيها هو (المحق) وقد سها صاحب القاموس فقال بالتمحيق، وما استشهد به من قراءة ابن الزبير