(قلت في العدد الماضي إن صديقاً من أصدقاء الرافعي طلب إليه مرة أن يعد كلمة عن المسيح لتلقيها فتاة مسيحية في حفلة مدرسة أجنبية في ليلة عيد الميلاد. . .
(وكتب الرافعي كلمة في تمجيد المسيح فدفعها إلى صديقه. وألفتها الفتاة في حفل حاشد من المسيحيين، فكانت عند أكثرهم إنجيلا من الإنجيل. . .)
(فهذه هي الكلمة التي عنيت)
سعيد العريان
أيها السادة:
ملك من ملائكة الرحمة، يهبط من سماء الله آتياً من حدود الأبد، ولجناحيه حفيف طالما أنست به نسمات الجنة، وتعلقت بأطرافه أرواح أزهارها الخالدة، كأنها معاني الورد في لفظ عطر الورد. .
صفَّ جناحيه العظيمين ثم خفق بهما خفقة، فانزوت له سماء وسماء، وأسلمه فضاء إلى فضاء؛ فإذا هو في ذؤابة هذا الكوكب الأرضي؛ فوقف هناك عند الحد الذي أقامه الله بين المعنى الخالد والمعنى الفاني، الحد الذي يبتدئ منه ضوء الشمس رقيقاً مستشعراً من رحمة الله، فيكون للمخلوقات الأرضية نوراً وحياة معاً، وهو في أصله لهب ما حق لو ألقيت فيه كرة الأرض لاستحالت في لحظة واحدة شعلة واحدة
هناك حيث تزدحم الأقدار، على مداري الليل والنهار، وقف الملك الكريم ولا تزال على قوادم جناحيه مسحة زاهية من نعيم الخلد، ولا يزال فيها روح من ريحان الجنة. . . وقف ينظر فإذا الأرواح الإنسانية صاعدة من الأرض في زحام، منهزمة من شرور الناس أيَّ انهزام، متقهقرة إلى ربها بعد المعركة بلا نظام.
فصرف وجهة ناحية ثانية، فإذا دعوات المظلومين، وأنات المحزونين، وتأوهات المساكين، وزفرات الوالدات والوالدين
فانفتل إلى ناحية غير الناحيتين، فإذا الحياة الأرضية كأنها خيط وضع من مقراض الفناء