للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب الفرنسي]

٦ - الدوق دي لاروشفوكو

للدكتور حسن صادق

فلسفته:

لما عجز لاروشفوكو عن تحقيق آماله ويئس من إرضاء طموحه، صدف عن حياة الاجتماع الصاخبة، وانطوى على نفسه وحللها، واستعرض في ذهنه حوادث الماضي وأخلاق الناس الذين عاشروهم ولاحظهم، ثم طلع عليهم بمواعظه القاسية الأليمة التي تظهر عواطفهم في صورة دميمة، وتجعل لجميع أعمالهم مصدراً واحداً هو الأثرة. وليس عجيباً أن يقسو هذا الرجل في الحكم على نفسه وعلى الناس، وأن يقوده التفكير إلى فلسفته اللاذعة، لأن التحليل لا ينتج التسامح، والغلو في الشك يؤدي إلى حب النفس. وأعتقد أن آراءه في معاصريه وبيئته، تنطبق على الإنسان في كل زمان، مع أن المصور الذي يرسم البحر أثناء العاصفة فقط، لا يعطينا عنه إلا فكرة ناقصة إلى حد بعيد. ولكي يكون الحكم على الجماعة صحيحاً، يجب ملاحظتها ودرسها في حالتي الهدوء والشغب، ولكن لاروشفوكو رأى الناس في عصره يعملون مدفوعين بمصلحتهم الذاتية، كما هو الحال دائماً أثناء الاضطراب الداخلي والحروب الأهلية، فاستخلص من ذلك أن المصلحة الذاتية التي يسميها عزة النفس أو الأثرة هي الباعث على جميع الأعمال الإنسانية، وينبوع العواطف البشرية. ولا شك في أن الإنسان يعمل دائماً طوعاً لمبدأ في دخليته يدفعه إلى البحث عن مصلحته الذاتية وسعادته. ولكن يعاب على هذا الفيلسوف أنه يضع لجميع الأعمال والعواطف على اختلاف أنواعها تفسيراً واحداً، على حين أن الطبيعة قد منحت الناس مواهب خاصة وغرائز متعددة وأذواقاً متباينة وملكات مختلفة تسبق الفكر في كثير من الأوقات والحالات الى الحركة والعمل، وجعلت لكل فرد طريقة يتبعها في الوصول إلى هدفه من الدنيا. وفي الحياة كثير من الناس يرثون عن أصولهم السذاجة الكريمة وصفاء القلب الجميل، فليس لهم مبتغى ولا متمني غير إسداء المعروف إلى إخوانهم في العاجلة مخلصين. وهم يلاقون في سبيل ذلك عناء كبيراً ويصادفون أخطارا جمة ويقدمون على

<<  <  ج:
ص:  >  >>