للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

الشيخ محمد عبدة والطير الأبابيل:

أقول (تعليقاً على المقال القيم (القرآن النظريات العلمية) للأستاذ الكبير العقاد): إن الأستاذ المرحوم الشيخ محمد عبدة لم يقل بأن الطير الأبابيل هي جراثيم الأمراض التي اكتشفت على يد (باستور) وما هذا إلا رأي شاعت نسبته إلى الشيخ محمد عبدة منذ أن هاجمه جماعة من العلماء وعدوا له زلات من جملتها هذا الرأي الذي نسبوه إليه في تفسير سورة الفيل وأخذوا عليه فيه أنه قد ابتدع في التفسير آراء خرج بها على معاني العربية وأساليبها التي نزل بها القرآن ويفهمه بها العرب الخ. ثم عزا الكثيرون هذا الرأي في تفسير الطير الأبابيل إلى الشيخ محمد عبدة دون رجوع إلى كلام الشيخ نفسه رحمه الله في تفسيره لجزء عم الذي هو مرجع القضية.

والواقع أنه رحمه الله بعد أن نقل بعض الروايات التفسيرية غير الثابتة في بيان طريقة انهزام أصحاب الفيل بالطير الأبابيل، وقول بعضهم إن الطير كانت تلقي الحجارة الصغيرة كالعدس فتقع الواحدة على رأس الرجل من جيش أبرهة فتخرج من دبره قال الشيخ محمد عبدة رحمه الله ما خلاصته أن الشيء المروي في التاريخ هو أن جيش أبرهة تفشى فيه مرض الجدري وقضى على معظمه وبدده وتلك الروايات المغربة غير ثابتة، والقرآن في غنى عن تفسيره بها، فالمنهج السديد أن يجمع بين القدر الذي حكاه القرآن من الخوارق وبين الروايات التاريخية، بعد أن تبين أن مرض الجدري وغيره من الأمراض السارية ينشأ عن عوامل حية هي الجراثيم المسماة بالميكروبات.

وإذا علمنا أيضاً أن الطير في اللغة كل ما يطير بجناحيه كبيراً كان أو صغيراً كالذباب والزنابير فإن المناسب في تفسير السورة أن يقال: إن الله تعالى أرسل على جيش أبرهة نوعاً من الطيور تحمل حجارة صغيرة ملوثة بجراثيم حمى الجدري من مكان موبوء بها هدى الله هذه الطير إليه فكانت تلقيها على الجيش فتفشى فيه الجدري من هذه الحجارة الموبوءة بجراثيم المرض.

وبذلك يجمع بين ما حكاه القرآن العظيم وبين الواقع التاريخي، ويكفي لبيان قدرة الله تعالى ونقمته مع التعليل بسبب طبيعي معقول.

<<  <  ج:
ص:  >  >>