سلكت دراسة التاريخ في العصر الحديث مسالك شتى، وتشعبت في فروع كثيرة؛ فأصبحنا نرى إلى جانب تاريخ السياسة تاريخاً للفلسفة، وتاًريخا للعلوم، وتاريخاً للاقتصاد، وتاًريخا للأدب. وسنحاول في هذه الكلمة أن نبين مدى ما يمسه تاريخ الأدب من مباحث.
١ - شخصية الكاتب
يعنى تاريخ الآداب بدراسة الآثار الأدبية من نثر ونظم. ولما كنا لا نستطيع أن نفهم الكتاب فهما صادقاً دون أن نعرف مؤلفه، أو نحلل القصيدة تحليلاً دقيقاً من غير أن نعرف ناظمها، فقد أصبح لزاماً علينا أن نجعل الكتاب والشعراء أنفسهم موضوعاً للدرس عند دراسة تاريخ الأدب، ذلك لأنه يستحيل علينا أن نفصل الأثر عن المؤثر أو نفهم النتيجة دون السبب. وإننا حين نقرأ كتاباً من الكتب تبرز لنا شخصية المؤلف الذي صب أفكاره ومشاعره في هذا الكتاب قوية واضحة، بحيث لا نستطيع إنكارها.
وتشمل دراسة الأشخاص نشأتهم وتجاربهم وأخلاقهم الموروثة والمكتسبة، ونزاعاتهم وتاريخ حياتهم، وغير ذلك من مكونات الشخصية. ولكن هناك ناحية أخرى يجب أن تنال من عنايتنا أكبر نصيب عند دراسة الأديب، تلك هي السمة الظاهرة، والطابع الخاص الذي يميز البعض عن البعض، ويرفع كاتباً فوق الآخر. ذلك لأن العبقرية معنى واسع تشمل أطرافاً متباعدة، ولكنها في صميمها عبارة عن قوة الشخصية، أو قوة الابتكار والابتداع. ويقول أحد الكتاب الإنجليز:(إن كل كاتب كبير يأتي إلى هذا العالم بشيء جديد كل الجدة: ذلك هو نفسه). والكاتب المخلص لفنه يسكب نفسه ويبث روحه في كل ما يكتب، ومن ثم اختلفت آثار الكتاب وانطبعت بصور شتى من شخصياتهم. وواجبنا عند دراسة الأديب أن نبرز طابعه الشخصي للعيان، ونفصله كل التفصيل؛ فهو أهم ما يجب أن نعرف عنه، وللأديب من الأهمية والعظمة بقدر ما لهذا الطابع من قيمة وجاذبية.
٢ - المذاهب والمدارس في الأدب
ليست شخصية الكاتب إلا ناحية واحدة من نواح كثيرة، يختص بدراستها تاريخ الأدب. فلو