لما كشفت إيطاليا الفاشستية في أوائل سنة ١٩٣٥ عن نياتها الاستعمارية نحو الحبشة توجس أولئك الذين يشفقون على حرياتهم وحريات الشعوب الآمنة شراً، واستشعروا الخطر الاستعماري جاثماً وراء تأكيدات رومة بأنها لا تبغي من وراء اهباتها العسكرية سوى الدفاع عن أملاكها الأفريقية. ولم تمض أشهر قلائل حتى صدق الظن ووثبت إيطاليا بالحبشة وثبتها المعروفة، واستشهدت ضحية جديدة من ضحايا الاستعمار.
وكان لهذه المأساة الاستعمارية في مصر وقع خاص؛ ولم يكن ذلك فقط لأن مصر ترتبط مع الحبشة بروابط تاريخية قديمة، ولها في الحبشة نفوذ ديني خاص بواسطة كنيستها القبطية، ومنابع نيلها تقع في الحبشة، ولكن لأن مصر شعرت على الأخص بأن خطراً استعمارياً جديداً قد استقر على مقربة منها ومن سودانها ونيلها، وأن الفاشستية الطموحة المتوثبة قد أصبحت تطوق وادي النيل من ناحيتيه، وأن استشهاد الحبشة على هذه الصورة المروعة إنما هو عبرة يجب أن يكون لها بالغ الأثر.
وقد كانت المعاهدة المصرية الإنكليزية التي عقدت في ٢٦ أغسطس سنة ١٩٣٦ نتيجة محتومة لهذه المأساة؛ ولم يكن في وسع مصر وبريطانيا العظمى أن يتجاهلا أهمية ذلك التطور الخطير في أحوال وادي النيل؛ ولم يكن في وسعهما أن يمضيا بعد في نزاع طال أمده، وأن يغفلا بذلك عن الخطر الذي تواجهانه معاً؛ ومن ثم كان عقد المعاهدة المصرية الإنكليزية عملاً حكيماً من الجانبين، وكانت ضرورة أملتها الظروف والحوادث. والآن تبدو أهمية التحالف بين مصر وبريطانيا العظمى؛ فتطور الحوادث في البحر الأبيض المتوسط، وحالة التوتر التي تسود علائق الدول الفاشستية والدول الديمقراطية، والكدر الذي يشوب علائق إيطاليا وبريطانيا، وما تبديه الفاشستية الإيطالية من بوادر التحفز والطموح، وما تقوم به من الأهبات العسكرية في جزيرة بانتلاريا الواقعة بين تونس وصقلية، وفي جزيرة