لما أنحى الأفشين بقواه على حصون الخرمية بدا لبابك أن يستثير عزيمة الروم على حرب المسلمين، ليكشف عن نفسه بعض ما هو فيه. فكتب إلى قيصر الروم - توفيل بن ميخائيل - كتابا يذكر فيه (أن ملك العرب قد وجه عساكره ومقاتلته إليه، حتى وجه خياطه - يعني جعفر بن دينار الخياط - وطباخه - يعني إيتاخ - ولم يبق على بابه أحد. قال: فإن أردت الخروج إليه فاعلم أنه ليس في وجهك أحد يمنعك)
فاهتبل قيصر الفرصة وانقض على زبطرة من ثغور المسلمين، بجيش تبلغ عدته مائة ألف أو أكثر. فقتل من أهل هذا الثغر وسبي. ثم أغار على ملطية وغيرها من الحصون ومثل بمن وقعوا في يده. فخرج إليه أهل الثغور من الشام والجزيرة؛ وبادر المعتصم بتوجيه عجيف بن عنبسة وعمرو الفرغاني ومحمد كوته وجماعة من القواد إلى زبطرة معونة لأهلها، فبلغوها وقد انصرف عنها ملك الروم. ولما فرغ المعتصم من أمر بابك سأل عن أمنع بلاد الروم وأقوى حصونهم شوكة. فذكرت له عمورية فوطد العزم على قصدها وتأهب لذلك.
ثم تحركت جيوش الخلافة وفيها من القواد - ممن صحبوا المعتصم أو تقدموه - أشناس، وإيتاخ، ومحمد بن إبراهيم ابن مصعب، وجعفر بن دينار بن عبد الله، وعجيف بن عنبسة، ووصيف، وحيدر الأفشين. وتفرقت هذه الجيوش في المسالك؛ فكان الأفشين أول من أوقع بالروم إذ كان أسبق القوم إلى التوغل في بلادهم؛ ذلك أنه هزم جيش القيصر نفسه في شعبان سنة ٢٢٣هـ؛ ثم قدم على المعتصم وهو نازل على أنقرة حيث أتعد القواد على الالتقاء. وتحركت الجيوش من هنالك مجتمعة نحو عمورية فحاصرتها. وراح القواد يتناوبون الهجوم عليها حتى سقطت بعد حصار دام شهرين.