رثاء الأندلس وما يحتويه من العناصر واللمحات التاريخية
للأستاذ محمد عبد الله عنان
نشرت (الرسالة) في الأسبوع الماضي قصيدة رائعة هي رثاء مؤثر للأندلس بقلم شاعر أندلسي مجهول؛ ومهد الأديب المغربي الذي بعث بنصها إلى الرسالة بكلمة ذكر فيها أن هذه القصيدة نشرت بنصها الكامل في الجزائر لأول مرة سنة ١٩١٤ وأن صحيفة الزهرة التونسية نشرت منذ أعوام بعض مقاطيعها وطلبت إلى الأدباء أن يدلوا على ناظمها إذا استطاع أحدهم إلى ذلك سبيلا، ولكن أحدا منهم لم يظفر بالجواب؛ وأنه عرضها على مؤرخ المغرب الكبير السيد الدكالي السلاوي، فذكر أن ناظمها ربما كان أبا جعفر بن خاتمة وهو من أدباء المرية كما يستدل من بعض أبياتها، وأنها ربما كانت من محتويات كتابه المسمى (مزية المرية) الذي توجد منه نسخة مخطوطة بمكتبة الأسكوريال؛ ويرجو الأديب المغربي في خاتمة كلمته أن يوفق أحد الأدباء المشتغلين بالأدب الأندلسي إلى معرفة ذلك الشاعر المجهول فيعلن اسمه
والحق أن القصيدة رائعة مبكية، وليس من ريب في أن ناظمها أديب كبير وشاعر بارع؛ ومن حق الأدب أن يُعرف هذا الشاعر المبدع وأن تحقق سيرته؛ بيد أننا نترك هذا البحث لمؤرخ الأدب الأندلسي في عصر السقوط؛ وفي رأينا أن أهمية القصيدة ليست في قيمتها الأدبية، بل أن أهميتها ترجع بوجه خاص إلى ما تضمنته من الإشارات واللمحات التاريخية لحوادث المأساة الأندلسية؛ وهي بهذا الاعتبار وثيقة تاريخية لها قيمتها؛ ولهذا رأينا أن نؤثرها بتحليل عناصرها الواقعية، وإيضاح ما فيها من الإشارات واللمحات التاريخية.
وأول ما يجب تحقيقه هو الفترة التي وضعت فيها القصيدة؛ وفي تعيين هذه الفترة تحقيق للعصر الذي عاش عيه الشاعر، وللظروف والملابسات التي أحاطت به؛ هذه الفترة على ما يبدو من كثير من مقطوعات القصيدة هي الفترة التي تلت سقوط غرناطة مباشرة؛ ونحن نعرف أن غرناطة سقطت في أيدي النصارى في صفر سنة ٨٩٧هـ (ديسمبر سنة ١٤٩١) ودخلتها جنود فرديناند الكاثوليكي في الثاني من ربيع الأول (٢ يناير سنة