للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قضى الأمر. . .]

للأستاذ محمود محمد شاكر

قضي الأمر، وانتهت الحكومة القائمة عن ترددها، وألفت الوفد الذي سيذهب إلى مجلس الأمن ليعرض موضوع الخلاف الذي بيننا وبين بريطانيا. وعن قليل سيسمع العالم كله لقضية مصر والسودان، ويصغي إلى حجتنا التي ستلقى إليه، وإلى حجج بريطانيا في دفاعها عن الذي تدعيه. ولو كان الأمر أمر عدل وأنصاف وبعد عن التحيز وأنفة من الظلم، لما بالينا أن ندعو حكومتنا أو شعبنا إلى خطة سوى عرض القضية كما هي، بلا حاجة إلى تتبع سوءات بريطانيا وعورات أفعالها. ولكن لا عدل ولا أنصاف، بل هو التحيز والظلم. هذا ما ينبغي أن نتوقعه بعد الذي كان من موقف الأمم الغربية والأمة الروسية من أعظم قضايا الشرق وأوضحها برهانا وأبينها حجة، أعني قضية فلسطين.

ولسنا نقول هذا تثبيطا لوفدنا أو لشعبنا؛ كلا فإن القضية المصرية السودانية قضية للجهاد لا للسياسة. فلنفرض أن المم ظلمتنا وتحيزت لبريطانيا فجارت علينا وضلعت معها فلن يضيرنا ذلك، بل هو الداعي الأعظم إلى الاستماتة في الجهاد إلى أن ننال حقنا غير منقوص ولا مهتضم. ولكن هذا المر المحفوف أو المتوقع يوجب علينا أشياء لا مناص لنا من المحافظة عليها والحرص على أدائها.

فقد كان من سياسة بريطانيا قديما أن تمزق وحدة هذا الشعب وتوقع بين أبنائه العداوة والبغضاء وقد فعلت، فصارت أحزابنا تسيرها شهوات رجال يتطلعون إلي مناصب الحكم كما يتطلع الظمآن إلى الماء أو سراب الماء وكان من سياستها أن تلاين وتساير حتى يصبح السودان شيئا قائما بذاته أو كالقائم بذاته، ففعلت. وكان من سياستها أن تغري شهوات قوم من أهل السودان بالحكم أو بالسلطان، ففعلت، وانقسمت فئة من أبنائه مضللين بوعود كاذبة لن تتحقق، وخرجت عن بقية الشعب مؤزرة بالمال ففجرت ومررت، بريطانيا من ورائهم تنفخ في نيرانهم حتى يأتي اليوم الذي يجعلونهم فيه حربا على بلادهم وهم يظنون إنهم يعملون لخيرها وفلاحها. تم ذلك كله لبريطانيا، ولكننا مع ذلك لا نبالي به قليلا ولا كثيرا، لأننا نعلم أن هذا الشعب المصري السوداني شعب كريم ذكي الفؤاد، تجتمع قلوبه عند المحنة يدا واحدة على عدوة الباغي إليه الغوائل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>