للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أندلسيات]

٣ - قصة الفتح بن خاقان

للأستاذ عبد الرحمن البرقوقي

أخلاق الفتح

نقول إن ابن بسام كان أعفّ لساناً، وأنزه بياناً. أمّا الفتح ابن خاقان فقد كان مقذعاً هجاء إلى أنه كان مداحاً فصالاً، فمن أرضاه وألهاه، مدحه وفتح لهاه؛ ومن لا يرضخ له من ماله بما يرضيه، هجاه وأقذع وولغَ فيه. وربما دسّ له لدى أولى الأمر وضرّاهم عليه. ومن ذلك ما كان منه مع فيلسوف الأندلس أبي بكر بن الصائغ وطبيبها الأكبر أبي العلاء بن زهر كما سيمر بك قريباً. . . وقد كان مع ذلك سكيراً معربداً إلى هنوات أخرى لقد يندى لها جبين الأدب، وقعدت به عن بلوغ المراتب التي بلغها أمثاله ومن هو دونه. قال الوزير لسان الدين بن الخطيب في حق الفتح: كان آية من آيات البلاغة لا يُشَق غباره، ولا يدرك شأوه، عذب الألفاظ ناصعها، أصيل المعاني وثيقها، لعوباً بأطراف الكلام، معجزاً في باب الحلي والصفات، إلا أنه كان مجازفاً مقدوراً عليه، لا يملّ من المعاقرة والقصف حتى هان قدره، وابتذلت نفسه، وساء ذكره، ولم يدع بلداً من بلاد الأندلس إلا دخله مسترفداً أميره. وأغلا في عليته. . . وقال ابن بشكوال في الصلة: وكان - الفتح - معاصراً للكاتب أبي عبد الله بن أبي الخصال، إلا أن بطالته أخلدت به عن مرتبته. وجاء في النفح أن الفتح قصد يوماً إلى مجلس قضاء أبي الفضل عياض - صاحب الشفاء - مخمّراً، فتنسم بعض حاضري المجلس رائحة الخمر، فأعلم القاضي بذلك، فاستثبتوحدّه حداً تاماً. وبعث إليه بعد أن أقام عليه الحد بثمانية دنانير وعمامة. . . فقال الفتح حينئذ لبعض من أصحابه: عزمت على إسقاط القاضي أبي الفضل من كتابي الموسوم بقلائد العقيان، قال: فقلت له: لا تفعل، وهي نصيحة، فقال: وكيف ذلك؟ فقلت له: قصتك معه من الجائز أن تنسى وأنت تريد أن تتركها مؤرخة، إذ كل من ينظر في كتابك يجدك قد ذكرت فيه من هو مثله ودونه في العلم والصيت، فيسأل عن ذلك فيقال له، فيتوارث العلمَ عن الأكابرِ الأصاغرُ؛ قال: فتبين ذلك وعلم صحته وأقرّ اسمه في (القلائد).

<<  <  ج:
ص:  >  >>