للرسالة في الأدب الحديث آثار خالدة خلود الأدب والفن. . سهرت على شوارده وأثبتتها، وتتبعت نوافره فجمعتها، وجلت غوامضه بالبيان الرائع والأسلوب الطيع، واللغة السليمة والمنطق المسلسل.
أشرقت على البلاد العربية والرأي الناضج في مصر يكاد لا يسمع به أديب بالعراق، والفكرة في العراق لا يتعالمها إلا من بالعراق، والشعر في الشام لا تتردد أصداؤه إلا بين جنبات الشرق حتى توحدت الفكرة والرأي والشعر وأصبح لحملة الأقلام رسالة. . . . رسالة تجمع بينهم وتعرفهم كلماتهم. . . والحقيقة أن المتأمل في أعدادها الألف اليوم يستطيع في يسر عجيب أن يجمع بين يديه خيوط دراسة أدبية رائعة لنهضة الأدب العربي الحديث.
فبين أحضان الرسالة نشأت مدارس الأسلوب الرائع النابض الحي، وبين صفحاتها تكونت مدارس للنقد المتعمق المحلل لخفايا النفوس والأساليب، وفوق أغصانها غردت أطيار من الشعراء لكل جماعة منها أهداف معلومة ورسالات محدودة. ولها لون وذوق فني خاص مع تفاوت بين أفرادها في طرائق العرض وأساليبه وطرائق تناول الموضوعات الشعرية، وإلقاء الظلال والألوان على الصور الشعرية.
إن دراسة أعداد الرسالة الألف تعتبر بحق دراسة للأدب العربي الحديث، بل لأزهى عصور الأدب العربي عامة.
وجدير بمحبي الأدب ودارسي روائعه أن يعملوا الفكر والتأمل في هذا التراث الخالد العظيم. حتى يقدموا للأجيال القادمة صوراً صادقة للنهضة الأدبية متمثلة في مدارس أدبية ناثرة أو شاعرة أو ناقدة كالرسالة تمتاز بصفة لازمتها دائما هي الاحتفال بما تقدم من الآثار الفنية. فهي لم تنشر من النثر إلا ما بلغ الغاية من الكمال الفني والنضوج الفكري. . . ولم تقدم من الشعر إلا ما ارتفع إلى مراتب الروائع الفنية وحلق في أجواء تعبق بالشاعرية الملهمة الفذة.