للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الذكرى العاشرة للرافعي]

للأستاذ محمود أبو ريه

مما يجب علينا لعظمائنا وعلمائنا الذين ينتزعهم الموت من بيننا، أن ننتهز كل مناسبة تمر بنا لنستعن بفضلهم، ونبعث التحية الطيبة إلى أرواحهم، في ذلك وفاء لهم وإحياء لذكرهم حتى لا نرمي بعدهم الوفاء، ولا نزن بنكران الجميل

ولمناسبة انقضاء عشرة أعوام على وفاة أديب العربية وكاتبها السيد مصطفى صادق الرافعي رحمه الله نرى من الحق علينا أن نبعث إلى روحه الطاهرة بتحية مباركة طيبة ونرجو أن تفي هذه التحية ببعض ماله من فضل وما يستحق من تقدير

نبت الأرفعي في اكرم منبت وأزكى مغرس؛ فبيت (الرافعي) مشهور في الأقطار الإسلامية بأنه بيت علم أدب وتقوى، ولئن كان رحمه الله قد ورث من آبائه الدين والتقوى، فإنه قد نشا على حب الأدب العربي، فأقبل على دراسته دراسة استيعاب واستقصاء وتحقيق، حتى تضلع من فنونه، وتملأ من أصوله، ووقف على أساليب بلغاء العربية وأحاط بطرائقهم ومناحيهم حتى أصبح صدره خزانة أدب. وقد أتاه الله ملكة قوية في البلاغة، وحاسة دقيقة في البيان، وبهذه الدراسة المحيطة للأدب العربي، والملكة القوية في البلاغة، والذوق الدقيق في البيان، استطاع أن يبتدع لنفسه أسلوبا خاصا في الكتابة العربية يباين أساليب الكتاب جميعا إذ يجمع هذا الأسلوب بين البلاغة والحكمة والخيال، هذا مع النكتة اللاذعة والكناية المستلمحة. حتى انك لو نصبت جملة من إنشاء غيره من كتاب العربية لبانت جملته منها جميعا، ولنادت على نفسها بأنها للرافعي ومن أسلوبه رحمه الله

وقد شبهوه بالجاحظ، وكأنهم لما رأوا أسلوبه محكم النسج متخير اللفظ مصقول العبارة أنيق الديباجة، قد خلعت عليه البلاغة زخرفتها، وكسته الفصاحة بجميل وشيها؛ قالوا إنه جاحظ هذا العصر. ولكن الجاحظ على إمامته في البلاغة وبراعته في الترسل، وطول نفسه في العبارة، وافتنانه في تلوينها وإبداع تصويرها، كان يستطرد إلى غير الغرض الذي ساق كلامه إليه، ويذهب في شعاب القول هاهنا وهاهنا يؤدي به هذا الاستطراد إلي الخروج عن بلاغته العالية.

ومع إن الجاحظ حجة من حجج العربية وأمام كتابها على مد العصور فانك لا تجد في

<<  <  ج:
ص:  >  >>