للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الرأي العام]

للدكتور محمد مندور

لا يستطيع الناظر في حياتنا العامة أن يطمئن إلى وجود رأي عام بالمعنى المفهوم في بلاد الغرب، وتلك ظاهرة ترجع فيما يبدو إلى عاملين كبيرين: أولهما اقتصادي، وثانيهما ثقافي.

ولسنا في حاجة إلى التدليل من جديد على فساد توزيع الثروة في مصر، وتلك آفة قديمة ستلقى هذه الأمة في علاجها مشقات كبيرة، ولكنها ستعالج يوماً ما. وإنما نكتفي بإيضاح نتائجها فيما نحن بصدده من وجود رأي عام أو عدم وجوده. وأمتنا تنقسم في جملتها إلى طبقتين: أغنياء وفقراء، وأما الطبقة الوسطى فلا تزال في بدء تكوينها، وكبار الأغنياء بطبيعتهم قوم مترفون أنانيون يسخرون من الاهتمام بالمسائل العامة لتي لا تعنيهم إلا فيما يمس مصالحهم المباشرة. وأفراد الشعب تشغلهم مهام العيش ومشقاته حتى لا تترك لهم فراغاً لتفكير الجدي في الأمور العامة؛ والفقر ينال من قوة نفوسهم فلا يستطيعون أن يتحرروا من إرادة الأغنياء. وعندما يكون المرء في قبضة غيره، والحاجة إلى الكفاف من العيش تلاحقه، كيف تريد أن يكون حر الرأي. والملاحظ في الأمم الغربية أن الطبقات الوسطى هي التي تكون الرأي العام وتقوده. وذلك لأنها الطبقة الطموح، ثم لأنها قريبة من الطبقة الدنيا التي تكون جمهرة الأمة، وهي بحكم هذا القرب تعرف آلام الشعب وآماله كما تفهم عقليته. وهي طبقة جادة لا تعرف الاستهتار، تتمتع بقسط من الاستقلال المادي يعطيها القدرة على الصلابة في الرأي ومواصلة الكفاح من أجله. ثم إنها طبقة مستنيرة تستطيع بما لها من ثقافة ألا تقف عند الرضا أو السخط، بل تستنبط الوسائل الكفيلة بتحقيق الخير لعامة الناس، وليس من شك في أن نهاية هذه الحرب ستشهد صراعاً قوياً بين تيارين من التفكير: التيار الاقتصادي، والتيار الاجتماعي. ونحن على تمام الثقة من أن سفسطة الاقتصاديين لن تقف عند حد، فسيحاول إيهام الشعب أن علاج الفقر الصحيح هو زيادة الإنتاج بتنمية الصناعة وحمايتها من المنافسة الأجنبية. والاجتماعيون لا ريب يسرهم أن يزيد الدخل العام للأمة، وهم ليسوا من خصوم الصناعة، ولكنهم سيحرصون على أن تكون وسائل الإنتاج ملكاً للأمة جميعاً ولو بطريق التساهم، لا لفرد من الأفراد. وذلك لأنهم لن يستطيعوا صبراً على التفاوت القائم اليوم، ولابد أنهم سيمنعونه من أن يستفحل بظهور

<<  <  ج:
ص:  >  >>