أحكام الشريعة الإسلامية، وتكاليفها مبينة على مبدأ المساواة، كلف بها الأفراد والجماعات بلا تمييز: فأحكامه، وعقوباته، وحدوده لا يستثني منها غني واسع الثراء، ولا أمير عريض الجاه، ولا خليفة تدين له الخلائق بالطاعة والأمتثال، فالمسلمون كلهم متساوون في الحقوق والواجبات، وفي التكليف والأحكام والقوانين، لا فرق بين عربي وعجمي، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين حاكم ومحكوم، تقرر هذا المبدأ من يوم أن بزغت شمس الإسلام، وسطع النور المحمدي، منذ نيف وثلاثة عشر قرناً ونصف
وهنا تغلبنا الدلائل والشواهد كثرة، لذلك سنجتزئ بذكر بعضها فنقول:
١ - من أصول التشريع الإسلامي - وهو من مميزاته كذلك - اعتبار النصوص الشرعية موجهة إلى الأمة كلها، ما لم يدل دليل على الخصوصية، ومن قواعد أصول الفقه عدم الخصوصية في الأحكام التكليفية.
٢ - صاحب الشريعة صلوات الله وسلامه عليه وضع هذا الأصل، وأقره عملا وقولا، ودعا أمته إلى الأخذ به وعدم التهاون فيه فقد روى أنه عليه الصلاة والسلام دعا الأعرابي الذي خدشه غير متعمد، فقال له: اقتص مني، فقال الأعرابي: قد أحللتك بأبي أنت وأمي، ما كنت لأفعل ذلك أبداً، ولو أتيت على نفسي، فدعا له بخير.
وفي خطبته في حجة الوداع عرض لبعض ما كان يقترف في الجاهلية، فحكم بأنه موضوع بالنسبة لجميع المسلمين، وخص بالذكر ذوي القربى لإدخالهم في الحكم الذي يؤخذ به الجميع، حتى لا يتوهم أن لهم مزية على من سواهم، فقال صلى الله عليه وسلم:(وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة، وأن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب)، وخرج مرة في مرض موته، فكان مما كلم به الناس قوله: (أيها الناس، من كنت جلدت له