ومنها حدثني الحسن الموصلي عن علي بن محمد نازل سَوْرة والعباس بن محمد بن الحسين جميعاً عن محمد بن سنان الزاهدي قال: سألت لمولانا (علينا سلامه) عن أول صفات الأزل، فقال لي: العقل، فقلت: وما العقل يا مولاي؟ فقال: أنا. وما علمت أن بي يعقل العاقل، وبي ينظر الناظر، وبي يسمع السامع، وبي يبطش الباطش، وبي يتحرك الساكن، وبي يذاق الطيب، وبي يشم الروائح الطبية، وبي يحس الحواس، وبي أفاضوا الناس؟ فقال له محمد بن سنان فكيف منزلتك من الباري الأزلي؟ فقال له كمنزلة العلم من العالم لم ينفصل منه ولا هو سواه. واعلم يا محمد، أن الأزل أطلع من ذاته نوراً لم يفصله منه، ولا غاب عنه، ثم سماه عقلا، وخاطبه به، فقال له: من أنا؟ أجابه أنت وأنا منك، فقال له أدبر يعني اظهر كالمنفصل مني، فظهر ثم قال له: أقبل يعني غب فيّ واتصل بي، فاتصل فقال له به وخاطبه منه: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً قبلك إلا أنا إذ أنا معدنك، ولا خلق أبداً أحب إليّ منك، لأنك مني بديت، وأنا بك ظهرت. منك نطقت، وبك أدعو، وأنت إشارتي ونودي في سمواتي وارضي، بك آخذ حقي من خلقي، وبك أجازي من عرفني وأقرّ بي، فأنت الواحد إذ لا مثل لك، وأنا الأحد لأني متحد بك. لست حين اطلع بك حركاتي وغيبتك سكوني وأنا العلي الحميد والسلام
- ٣ -
فصل في معرفة الإنسان
قال الله (تعالى): (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) اعلم أن الإنسان هو النفس خلقت قبل الجسم زماناً طويلا، فلما ظهرت النفس بصورة الجسم ذكرت وعرفت حتى تعقل منه المعقولات أي تعرف إمام العصر والزمان؛ فإذا عرفت ارتقت إلى عالمها النوراني كما قال الله (عز وجل)(ثم ننجّي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جِثِياً)