للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٤ - نشأة المأساة الإنجليزية]

للأستاذ دريني خشبة

المأساة الإنجليزية كالمأساة اليونانية والمأساة اللاتينية هي أرقى ألوان الأدب الإنجليزي، وقد اعتمدت في نشأتها الأولى على مصدرين عظيمين، أولهما أهلي - أو إن شئت فقومي - والآخر خارجي. أما الأهلي فهو هذا الثبت التاريخي الحافل المسمى (المرآة لأولي الأمر) الذي بدأه توماس ساكفيل (أو لورد بكهرست ١٥٣٢ - ١٥٨٤) سنة ١٥٥٧ وتوخى فيه سرد مآسي عظماء الإنجليز منذ الفتح النورماندي حتى نهاية القرن الرابع عشر. وقد قلد المؤلف ما جاء في أساطير اليونان من زيارة أحد أبطالها للدار الآخرة - أوهيدز - وذلك كما في أسطورة أرفيوس الموسيقي وأسطورة هرقل، وما جاء في إنيادة فرجيل ورؤيا دانتي حينما قاده دليله (سوء الطالع) إلى الجحيم ليجوب دركاتها دركة بعد دركة، وليسائل ثمة الذين كتب عليهم أن يكون مأواهم النار بعد الذي قدموا في دار الفناء من خير وشر. فهم يقصون عليه الويلات التي سودت صحائف حياتهم الدنيا، ويحدثونه أحاديث المصائب التي انصبت على رؤوسهم فيها. ولم يكتب ساكفيل غير مقدمة هذا السفر العظيم، وهي مقدمة سياسية رائعة، ثم كتب من مجموعة الأساطير الكبيرة التي بلغ عددها ثمانياً وعشرين، الأسطورة الأولى. . . أما الذي قام بهذا العمل الجليل فهو أديب يدعى ريتشارد بولدوين بمساعدة طائفة من الأدباء الآخرين عنوا عناية فائقة بمآسي عظماء حروب الوردتين. والظريف أن هذا الأثر الأدبي الخالد هو نفسه الذي أوحى - بعد تمامه - إلى ساكفيل والى زميله توماس نورتون موضوع أول مأساة تمثيلية إنجليزية بحتة، هي تمثيلة جوربودك أو فركس وبوركس. وجور بودك هذا هو أحد ملوك بريطانيا العظمى، وفيدنا هي زوجته، أما فركس وبوركس فهما ولداه اللذان قسم بينهما ملكه، فما لبثا أن تنازعا وقتل أحدهما (بوركس) الآخر، فتثور الملكة، وتقسم لتنتقمن لولدها من أخيه، وتنتهز لذلك فرصة سنحت لها إذ رأته نائماً يغط في سبات عميق، فتستل خنجرها وتغمده في صدره. . . ويثور ثائر الشعب حنقاً على الملك (جوربودك) وعلى الملكة فيقتلهما على السواء

فهذه هي المأساة الإنجليزية الأولى، وقد نظمها مؤلفها في شعر رصين وعبارات مشرقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>