كنت أود أن يكون عنوان هذا البحث (النهضة الأدبية في السودان) فأتناول فيه من حديث الشعر والنثر ما يرسم صورة صحيحة أو قريبة من الصحيحة للحياة الأدبية هنا، ولكن يبدو أنه سيمضي وقت ليس بالقصير دون أن يجد الباحث المادة الضرورية لمثل هذا البحث؛ فإن نثرا مستقلا يكون أدبا لم يتح بعد لباحث.
ومن عجب أن يجد الإنسان مادة غير نزرة ولا قليلة للشعر، ولا يجد شيئا يمكن أن يعتمد عليه في النثر، وربما كان لذلك أسباب كثيرة هي في الغالب أسباب سلبية، وقد يكون من الخير التغاضي عنها، حتى إذا كان من الخير أن نقول في هذا الشأن قلنا، ولهذا أرى من الحسن أن أقصر بحثي على الشعر وحده.
وطبعي أن يكون في السودان شعر، وأن يكون فيه شعر وفير، فإن أسباب الشعر ودوافعه قوية مستفيضة غالبة، ولو استجاب الشعراء لها، ولو لم تشغلهم شئون أخر عن التأثر بها، والتنبه إليها، لجاءنا شعر وخير كثير.
وإنه لتروعك الرغبة القوية في دراسة الآداب، واستظهار المنظوم والمنثور عند كثيرين من أبناء السودان فإنك تجد عددا غير قليل يحفظ الآلاف من أبيات الشعر، ففضيلة زميلنا الشيخ محمد العبيد الأستاذ بالمعهد العلمي بأم درمان يحفظ شعر شوقي كله، لا يند عنه بيت منه؛ وفضيلة الشيخ أحمد العاقب - وهو شاعر - ال يكاد يمر بمسألة، أو يأخذ في حديث حتى يستشهد بأكثر من بيت من الشعر القديم، أو من الشعر الحديث. ولقد لاحظت أن دواوين: شوقي وحافظ والبارودي والعقاد هي الدواوين المفضلةعند الأدباء السودانيين. أما القراءة فهم مغرمون بها، وأكثر ما يقرأون للأساتذة المصرين من كبار الكتاب أمثال طه حسين والعقاد والزيات وهيكل، وآثر المجلات الأدبية عندهم وأحبها إليهم مجلة الرسالة.
ولا مندوحة لمن يريد الدقة والإنصاف في الحديث عن الشعر السودان، أن يقسمه إلى قسمين، شعر المدرسة القديمة، وشعر المدرسة الحديثة، وكلتاهما تعيش في هذا القرن. وتستطيع أن تقول إن المدرسة القديمة سيطرت على الشعر منذ ابتداء هذا القرن أو قبله بقليل، وبقيت سيطرتها إلى عهد قريب، وبعض أساتذتها لا يزالون يرفدون الأدب