كان ابن البناء من علماء القرن الرابع عشر للميلاد، نبغ في الرياضيات والفلك وله فيهما مؤلفات قيمة ورسائل نفيسة تجعله في عداد الخالدين المقدمين في تاريخ تقدم العلم
ومن المؤسف ألا يُعطى نتاجه حقه من البحث والتنقيب، ولولا بعض كتبه التي أظهرها المستشرقون الذين يعنون بالتراث العربي لما استطعنا أن نعرف شيئاً عن مآثره في العلوم. وعلى الرغم من قلة المصادر فقد استطعنا أن نجمع بعض المعلومات عن حياته وآثاره، ورأينا أن الإخلاص للحقيقة يدعونا إلى إنصافه وعرض سيرته على الباحثين فقد يكون في هذا العرض ما يحفز البعض إلى الاهتمام بتراث ابن البناء وإزالة ما أحاط هذا التراث من غيوم الغموض والإهمال
وُلد ابن البناء في غرناطة في النصف الأخير من القرن الثالث عشر للميلاد؛ واسمه أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي وكني بابن البناء لأن أباه كان (بناء) كما اشتهر بلقب المراكشي لأنه أقام مدة في مراكش ودرّس فيها العلوم الرياضية. وقد نبغ على يديه كثيرون لمعوا في ميادين العلوم وكان أحدهم أستاذاً للمؤرخ الشهير ابن خلدون
كان ابن البناء منتجاً وكان عالماً مثمراً، فقد أخرج أكثر من سبعين كتاباً ورسالة في العدد والحساب والهندسة والجبر والفلك والتنجيم ضاع معظمها ولم يعثر العلماء الإفرنج والعرب إلا على عدد قليل منها، نقلوا بعضه إلى لغاتهم. وقد تجلى لهم منها فضل ابن البناء على بعض البحوث والنظريات في الحساب والجبر والفلك
لقد قامت شهرة ابن البناء على كتابه المعروف بـ (كتاب تلخيص أعمال الحساب) الذي يعد من أشهر مؤلفاته وأنفسها؛ وبقي هذا الكتاب معمولا به في المغرب حتى نهاية القرن السادس عشر للميلاد كما حاز على اهتمام علماء القرن التاسع عشر والقرن العشرين. ويعترف سمث وسارطون بأنه من أحسن الكتب التي ظهرت في الحساب، وهو يحتوي على بحوث مختلفة تمكن ابن البناء من جعلها (على الرغم من صعوبة بعضها) قريبة التناول والمأخذ. أوضح النظريات العويصة والقواعد المستعصية إيضاحاً لم يسبق إليه فلا تجد فيها التواء ولا تعقيداً