من جد الشتاء أن تهنئ الزيات بعيدين يطلع بهما عليه فجر يوم واجد، هو هذا اليوم الذي تظهر فيه الرسالة للناس، وتشرق بهما عليه شمس واحدة هي شمس يوم الاثنين، ويستقبل فيهما ابتسامتين ما أعرف أن في الحياة شيئاً أحب إليه ولا أحسي في نفسه وقعاً، ولا أجمل في قلبه صورة، ولا أشد إحياء في الأمل واستدعاء للغبطة، وإثارة للابتهاج منهما، إحداهما مقصورة عليه أو كالمقصورة عليه. استغفر الله، بل هي مقسومة بينه وبين شطر نفسه وشريكته في الحياة، وهي ابتسامة ابنه (رجاء)، والأخرى شائعة بينه وبين أصدقائه وأحبائه وخصومه وأعدائه في مصر كلها، وفي الشرق العربي كله، وفي كل طرف من أطراف الأرض تقرأ فيه اللغة العربية ويذاق فيها الأدب العربي، وهي ابتسامة بنته (الرسالة). فقد رزق الزيات في مثل هذا اليوم من العام الماضي هذين الوليدين العزيزين، فسعد بأولهما في نفسه وأسرته، وسعد بثنتيهما في نفسه وأمته، وأنفق عامه كله معنياً بنتشئ رجاء وتنمية الرسالة، يقصر جهد عقله على هذه، ويختص بفيض قلبه ذاك. ويجني من هذه كما يجني من ذاك هذه الثمرات الحلوة المرة، اللذيذة المؤلمة، التي يجنيها الأحياء من حب الأحياء والعناية بهم والانصراف إليهم عن كل شيء.
يبتسم رجاء للحياة فيبتسم قلب الزيات وتنعم نفسه، وتبتسم الرسالة للحياة فيبتسم عقل الزيات وينعم ضميره، تعرض الآم الحياة لرجاء فيكتئب قلب الزيات، ويأرق ليله وينغص نهاره، وتظلم الحياة في وجهه، وتعرض المصاعب للرسالة فيبتأس عقل الزيات ويقلق ضميره وتضيق به الأرض ويضيق هو بالأرض، لا يطمئن ولا يستريح ولا يتذوق لذة العيش إلا إذا استقبل النهار في بيته، وبابتسامة الرسالة خارج البيت. أليس من الجد أن نهنئ صديقنا إذا استدار العام وأقبل يوم الاثنين، فإذا رجاء يقبل على الحياة مبتسماً لها، مغتبطاً بها، آخذاً منها بهذا الحظ الحلو، الجميل الصفو، الخالص من كل شائبة، الذي لا يتاح إلى للأطفال، والذي أتيح لنا جميعاً في وقت من الأوقات، ثم محته من نفوسنا وقلوبنا وذاكرتنا هذه الأيام التي تمضي وهذه الليالي التي تتبعها، فإذا نحن لا نذكره ولا نقدره، وإنما نأسى عليه ونود لو استطعنا أن نحقق المستحيل فنسعد لسذاجته النضرة، ونحتفظ مع