لا يزال صاحبنا (الغمراوي) ماضياً في طريقه، عند السفح من مدارج الإحساس والفن والحياة. وما يزال يظن المسألة ردوداً ومحالا. بينما نحن لم نرد إلا أن ينتفع هو وأمثاله ومن هم خير منهم كذلك بما نكتب، وأن يخرجوا قليلا من ذلك الطابق المغلق الذي ينزوون فيه، إلى عالم النور والطلاقة والفن الجميل، المتحرر من القيود والقشور، فيحسوا - ولو مرة - دفعة الحياة، وطلاقة الفن، وفسحة الشعور. ومن حسن الحظ أن يكون الحديث اليوم عن (غزل العقاد) فليحاولوا أن يثبوا ونحن نأخذ بيدهم إلى هذا (العالم) العبقري الفسيح. وإلا فليعذرونا إن نحن جاوزنا الجحور والمغاور، إلى المرج الواسع، أو العيلم المسجور!
الإحساس الساذج الفطري بالحب قريب في منبته من إحساس الجوع والظمأ، ومطلب قريب لا يعلو كثيراً على مطالب الجسد؛ والمتعة فيه غذاء من أغذية الدم واللحم، والحرمان نوع من الخمص والطوى، والآلام لون من وخز الجلد أو لذع النار، أو لفحة السموم. والتعبير عن كل ذلك شبيه بالضحكة والصرخة والآهة والأنين، من أنواع التعبير الفطري عن اللذة والألم
والشاعر حين يقف في إحساسه بالحب، أو التعبير عنه، عند هذا الحد لا يستحق منا لقب الشاعر - بله الشاعر الكبير - وهو لا يستحق هذا اللقب، حتى يكون له في حبه منحى خاص (ليكون شاعراً) وفلسفة شاملة تجعل من هذا الحب مجتمعاً للأحاسيس الفريدة بأعماق الحياة وأصولها وتتصل بوشائج الطبيعة الكبرى، وغاياتها البعيدة، وأنماطها الأصيلة (ليكون شاعراً كبيراً)
فليس الحب الفني، ولا التعبير عنه من السهولة كما يتصورها الكثيرون من ناشئة الشعراء، ومقلدي النقاد، إنما هما عمل عسير في الاستيعاب والتصوير، وما نقرأ لتسعين في المائة من الشعراء، إلا ضحكات وابتسامات أو صرخات وآهات، يحسبونها غاية الحب