أود أن أعجل بالدخول في هذا الموضوع الذي أثاره الأستاذ الياس إبراهيم بدوي وأثار به قلم الأستاذ الكبير العقاد؛ فإنه موضوع يشغلني كثيراً في هذه الأيام وكنت على أن أفرد له مقالاً من مقالات (أومن بالإنسان) بعد ما أشرت إليه في إحداها فإنه جدير بالعناية؛ إذ التناقض بين السلطة والفكر هو السبب الأكبر في شقوة الإنسان وكفره بنفسه وبالعدالة وبالخير والحياة. فليكن هذا الحديث ملحقاً بتلك الأحاديث وإن لم يكن له عنوانها.
قلت في المقال الرابع من تلك المقالات: إن الإيمان بالعلم وتنظيم الحياة الإنسانية بطرقه وإطلاق الأفكار فيه هو الدين الواحد الذي يدين الإنسانية جميعها وتلتقي عليه بأفكارها وأيديها. . . وقد جعلها تلمس عرشها المرموق وتعرف دولتها المأمولة في مستقبل الحياة
ولكن أين العصا السحرية التي ستفعل في تعديل شهوات الأمم وغرائزها وتعصباتها الذميمة بحيث تجتمع على خدمة العلم والحياة بأفكارها وأيديها؟
ذلك ما يسأل عنه رجال التربية والمفكرون في الدين والاجتماع، رجال التربية فلاحو حقول الطفولة منطقة النمو الدائم وعُلب أسرار المستقبل، ورجال الفكر رسامو المثل العليا القادرون على استدراج الناس إليها وسجنهم فيها
ولكن هؤلاء وأولئك لا يزالون بعيدين عن مقاليد الحكم وتسلم مقاود القطيع بينما مكانهم هناك لو صحت الأوضاع. . . ولا يزال محترفو السياسة والدجاجلة بها المتخلفون عن بلوغ القمة في الفكر والخلق هم الغالبين المتسلطين. . . وهؤلاء هم سر البلاء النازل الآن بالناس كما كانوا في القديم
فأنا أتمنى بذلك أن يكون رجال الحكم في كل أمة هم رجال القمة في الفكر والخلق والقدرة على تربية الشعوب؛ فإن هذا هو الوضع الصحيح للحياة الاجتماعية التي يستقيم فيها كل شئ، ويؤمن المرء فيها بنفسه وبأمته وبالإنسانية جميعاً؛ إذ لا يجد في الحياة تناقضاً بين المثل العليا والقوانين المرسومة في الكتب والواضحة في نظام الطبيعة، وبين الوقائع العملية التي يسير بها الناس. وحيث لا تناقض بين ما في النفس وما في خارج النفس فهناك السعادة وهناك الإيمان وهناك الأمل والعمل المطرد