ليس الغرض من مقالنا بيان فضل التاريخ وما يحدثه من أثر طيب بتربية الذوق الأدبي. إنما غرضنا الحديث عن فن أدب التاريخ أو كما يسميه صديقنا المرحوم النقدي عضو مجلس التمييز الشرعي ببغداد، بضبط التاريخ بالأحرف.
وسأقدم لك لوحة فنية من مبدعات هذا لفن الخالد بخلود التاريخ، وقد أضفت إليها ريشة الفنان برد الفن ولبوسه، وأسبغ عليها قلم المؤرخ أبدع روائعه. وسأقدم لك جهبذا من جهابذة هذا الفن وغريدا تغنى على فن الشعر، وصدح في رياض الأدب منذ نصف قرن أو تزيد قليلا، هو الحاج مجيد المشهور بالعطار نور الله مرقده.
والحاج مجيد سريع النكتة، حاضر البديهة، شاعر بما يريد أن يقول، يغذي شعره عصارة فكره ودم قلبه. عميق الفكرة، متين القول، سلس الأسلوب، فإذا حلق في سماء الفكر خرت التواريخ أمامه صاغرة ليختار الجيد الجميل منها، ويرجع بغنيمة الظافر المنتصر، وقد ضمن التاريخ نكتة أدبية رائعة، تبهرك إعجاباً بعظمة الفكر وسرعة الخاطر. في شعره جزالة القديم ورقة الحديث، وفيه دقة المعنى وروعة التصوير. وليس هذا النوع من الأدب سهل المأخذ، بل هو صعب جموح، يخضع لقواعد ونظم قد لا يخضع لها غير أدب التاريخ من الفنون الأدبية الأخرى منها: ما يحسب من التاريخ على الطريقة المألوفة في علم الخط لا ما يكتبه المؤرخ حسب رأيه، فالمعتل بالياء سواء كان اسماً كموسى، أو فعلاً كرمى، أو حرفاً كإلى لا يحسب آخره في التاريخ ألفاً، وإنما يحسب ياء، فالأول كقول أحد الفضلاء في تاريخ وفاة أحد العلماء الأعلام:
مضى الحسين الذي بحسد من ... نور علوم من عالم الذر
قدس مثوى منه حوى علماً ... مقدس النفس طيب الذكر
أوصافه عطرت فأنشقتنا ... منهن تاريخه شذى العطر
والثاني كقوال عبد الغفار الأخرس، يؤرخ وفاة السيد عبد الرحمن النقيب وفي الشاهد للثالث أيضاً: