[الشمس في الغروب]
للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
ماذا تحسّ الشمسُ عند غروبها ... فيكون ذلك باعثاً لشحوبها؟
ما إِنْ رأت عيني وقد راقبتُها ... كالفرق بين طلوعها وغروبها
بَعد ابتسامتها لنا قد قطّبت ... والحزنُ كل الحزن في تقطيبها
إني ليحزنني الغروب فإنه ... لمذكِّرٌ نفسي بكل كروبها
الشمسُ في الدنيا إليَّ حبيبة ... والنفسُ تأْسى من فراق حبيبها
ويزيدها شجناً إلى أشجانها ... مَرُّ السحاب محاولاً لركوبها
كانت إذا طلعت تفوز الأرض من ... أنوارها مبثوثةً بنصيبها
كانت بجذوتها السماء منيرةً ... والأرض كانت تصطلي بلهيبها
أَجمِلْ بألوان الغمائم حولَها ... لو دامت الألوان بعد مغيبها
مدَّت مودّعةً بنانَ شعاعها ... لبعيدها وتلثّمت بقريبها
انظرْ إلى الأفْقِِ البعيد تَخَلْ به ... ناراً تخوض العينَ بعد شبوبها
بالشمس تحيا الأرضُ ضاحيةً لها ... وبها تتمّ لها حياةُ شعوبها
صفراءُ خائفةٌ كأن وراَءها ... سوداَء تخطف شِلْوَها بنيوبها
وقد اكتست بعد اصفرارٍ حمرْةً ... بدَمٍ لها أُهريق فوق تَريبها
وكأنما قِطَعُ السحاب أمامها ... سدّت لتمنعها طريقَ وثُوبها
غربت وأبقت في السماء وراءها ... شفقاً يثير الشجوَ بعد غروبها
قد أوّبت شمسُ النهار فهل إلى ... هذا مصيرُ الشمس في تأويبها
أمَّا الغمائم فهي قد هبّت بها ... ريحُ الأسى فتمزَّقت لِهُبُوبها
والثاكلات أذابها عصف الأسى ... فقلوبها تنشقُّ قبل جيوبها
تُهوى وتُقلى في زمانٍ واحدٍ ... دنيا محاسنُها بواءُ عيوبها
وكأنها من نورها وظلامها ... ممزوجةٌ أفراحُها بخطوبها
جميل صدقي الزهاوي