للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة العلم]

الكون يكشف عن نفسه

خفايا الضوء

للدكتور محمد محمود غالي

أينحصر الكون في ست وحدات أصلية يرد إليها كل ما فيه؟

عندما تطالع هذه السطور فانك تراها بفضل أحد هذه الوحدات

الدقيقة وهي كائنات نحاول أن نتعرف إليها

نشيد داراً للسكنى وتدخل مواد عديدة في تشييدها من أحجار البناء إلى الحديد، ومن رخام الدرج إلى ما يحيط سياجه من نحاس، ومن أخشاب النوافذ إلى ما يتوسطها من زجاج، ولا نذكر ما تحتويه الدار من العناصر الكثيرة والمركبات العديدة وأن في الزجاج وحده من العناصر المتعددة والمركبات المتباينة ما يجعلنا نفطن إلى العدد الكبير من المواد التي نستخدمها في إقامة البناء، بل إن مواد من نوع آخر، مواد عضوية تدخل أيضاً في تشييد الدار، وشد ما يختلف ما في حديقتها من أشجار وزهور عن سائر ما في البناء: هذا النبات له دور من المراهقة كدور الإنسان ومن الشباب كشبابه ومن الهرم كهرمه، وله أعمار تنتهي عندها الحياة، فيضع البستاني غيره من النبات ينصبه مكانه كما ينصب الابن نفسه مكان أبيه بعد أن يتوارى هذا في الزمن، ويترك الابن الدار بدوره لحفيد يستمتع بها ما بقيت أجزاؤها متماسكة تسمح بالحركة بينها وبالحياة في أنحائها، يقضي الحفيد فيها سنين طويلة وسط هذه الأجزاء من المادة بين المرح طوراً وظلمة الأيام تارة، بل إن مواد حية غير المعدنية والعضوية قد تدخل بين مكونات الدار تستمتع فيها كما يستمتع صاحبها وتقاسي فيها كما يقاسي ربها، فقد نشيد في الحديقة أحواضاً للسمك أو نقتني داخل الأقفاص أنواعاً من طيور الزينة، وما هذه وذاك إلا مجموعة من العناصر المعقدة تدخل هي أيضاً في مجموع الدار الفسيحة، ولا تختلف عن الأولى إلا بما لها من مزاج يشبه مزاجنا وآمال تقارب آمالنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>