للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[إلى بئر جندلي]

للأستاذ الدمرداش محمد. مدير إدارة السجلات والامتحانات بوزارة

المعارف

- ١ -

في شتاء سنة ١٩٠٨، وقبيل إجازة عيد الأضحى، دعاني خالي إليه وابتدرني قائلا وفي فمه ابتسامة:

_ هيا معي إلى بير جندلي. غداً مساءً سنغادر القاهرة.

_ بير جندلي؟ ما هذا؟

_ رحلة صيد في جبل المقطم تستغرق خمسة أيام، وسنكون مع أصدقائنا عائلة رشيد، وقد اعددنا لها العدة.

كانت مفاجأة، واترك للقارئ أن يتصور وقع هذه المفاجأة في شاب لم يبلغ الثامنة عشرة، لا يعرف عن جبل المقطم إلا القليل مما التقطه في طفولته من أفواه العجائز في أحاديثهم عن العفاريت والوحوش، أو عرفه من القراءة في كتب وضيعة تصور لك المقطم قفاراً ومفاوز لا نبات فيه ولا ماء، وانه مسكن المردة والجان ومأوى جبابرة اللصوص وقطاع الطرق ومرتع الوحوش الضارية من نوع السباع والأسود التي يرسمها نقاشنا البلدي على واجهات منازل الحجاج العائدين من الحجاز.

كان قد أزف الوقت فانصرفت أعد نفسي للرحلة على عجل، وأذكر الآن وقد مضى على الحادث ما يزيد على خمسة وعشرين عاماً، إني صرفت شطراً كبيرا من الليل في تصفح ما كان عندي من الخرائط، متفرساً في أسماء الجبال والسهول والأودية، باحثا بينها عن بئر جندلي، ولكني لم اظفر بطائل، وأذكر كذلك أني لم أنم في تلك الليلة إلا غراراً، فقد كنت مشرد العقل مهموما قلقاً تتوارد على ذاكرتي حكايات الوحوش وقطاع الطرق وقصص الأهوال التي لاقاها رواد الجبال، من عطش، وجوع، ومخاطر، فينقبض لها صدري وتثور هواجسي، ولولا إرادة قوية، وإيمان ثابت لتغلب الضعف على نفسي، ولأحجمت عن مصاحبة الجماعة.

بعد الغروب في اليوم الثاني أقلتنا عربة إلى منزل عائلة رشيد بشارع الدرب الأحمر

<<  <  ج:
ص:  >  >>