شغل (دير كهايم) في إمعان وروية بالتعرف على الحقائق التي تكن وراء القداسة والألوهية والمثل والقيم الإضافية والمعاني الفاضلة التي تنطوي عليها.
فأنكر أن المقدسات هي مجرد تعبيرات عن المؤثرات الخارجية المستمدة من البيئة والتاريخ، كما أنكر أن تكون وليدة الوراثة بمعناها الواسع.
فالقول بأن القداسة هي تعبير مستمد من البيئة والتاريخ ينفيه ما سجله (دير كهايم) من أنها (أي القداسة) رمز مستمد من الغريزة الفطرية. وفوق ذلك فإن تغيير البيئة واستمرار التطور في تاريخ الفكر لم يذهب بالرموز القدسية والحياة الدينية المعبرة عنها.
والادعاء بأن القداسة هي وليدة الوراثة وما أكتسبه الفرد عن أسلافه من ذخيرة فكرية واتجاهات عاطفية وطبائع أخلاقية لا يتفق وحقيقة الواقع في عالم عناصر الوراثة فيه واسعة متشعبة تفاعلت فيها عدة مؤثرات ثقافية وعاطفية تسربت غليها من الخارج. ومع ذلك فقد بقى جوهر القداسة سليماً في تأثيره الروحي والاجتماعي على سلوك الإنسان.
فإذا سجلنا إذن على ضوء هذا الشرح أن وراء المقدسات حقائق راسخة، وأن هذه المقدسات (على تعدد أنواعها وألوانها) بالغة الأثر راسخة النفوذ في السلوك الإنساني؛ فإن لنا أن نبحث في علاقتها بالحياة والأوضاع الاجتماعية.
فالمثل والأخلاق التي تضبط سلوك الفرد تستمد سلطتها من الاختبار الديني الذي قيد الفرد بنظم وقوانين يسير عليها في علاقته بربه ومجتمعه. والثابت عندنا أن الله عز وجل (وهو قدس الأقداس) حقيقة راسخة، وأن علاقة الفرد بربه علاقة منشؤها غريزة فطرية موهوبة وليست مكتسبة. فلنا إذن أن نبحث في علاقة الاختيار الديني بالمجتمع الإنساني الذي وضع الله له نظماً وقوانين وقيماً أخلاقية ووضع دير كهايم بعد هذا الاستنتاج كلمته الشهيرة: -
(إن الله (عز وجل) هو رمز المجتمع الصالح)
وثار بعض النقاد أول الأمر على كلمة دير كهايم هذه وخابت آمالهم في رجل ابتدأ في