حدثني رجل ذو مكانة أنه بصر بالمغفور له الشيخ محمد رفعت يتقاضى أكبر أجر تقاضاه مرتل للقرآن الكريم، فقد دفع له أحد أعيان الصعيد خمسمائة جنيه لقاء إحياء ليلة واحدة في أسيوط. وهذا المبلغ - فيما نحسب - أكبر مبلغ حصل عليه أحد مرتلي القرآن.
ولم يكن الشيخ رفعت يعنى بالمال عنايته بالحفاظ على كرامته؛ فخلافاته الكثيرة مع إدارة الإذاعة الحكومية إنما كان مردها أن الإذاعة تفضل عليه فلاناً أو فلاناً في المكافأة أو في عدد مرات الإذاعة، فكان الرجل ينسحب محتجاً في سكون، وتقوم من خلفه قيامة الرأي العام، فتضطر الإذاعة إلى استدعائه من جديد!
وكانت الإذاعة تضيف إلى اسم الشيخ محمد رفعت لقب (الأستاذ) ثم حذفته، ولما قيل لها في ذلك أجابت بأن بقية المرتلين في الإذاعة طالبوا بمثل هذا اللقب، فلم تجد بداً من حذفه من إمام القراء.
ولم يبتئس الشيخ رفعت إلا يوم أحس بالفواق يحبس صوته الندي الحنان في تلك الحنجرة الذهبية فلا يعود إلى الانطلاق، ولم يشعر أحد بمحنة الرجل العظيم إلا في صيف العام الماضي، وكل ما استطاع الناس أن يفعلوه أن جمعوا له مبلغا قارب ألفاً من الجنيهات، رده إليهم لم يمسسه سوء. وما كان الرجل - علم الله - على خصاصة موارده في حاجة إلى المال، وكل حاجته أن يعود صوته الندي إلى الانطلاق، وهذا ما عجز عنه الناس!
وبعد، فسوف نرتقب طويلاً حتى يجود علينا الزمان (بمحمد رفعت) جديد، فقد كان - أجزل الله مثوبته - من الأفذاذ الذين لا يجود بهم الدهر إلا على رءوس الأحقاب، فيا طول حزننا على رجل أدخل إلى القلوب حلاوة الإيمان، وجعل من تلاوة كتاب الله فناً من الفنون التي يتطاول إليها الإنسان!
منصور جاب الله
حجة العلماء على الزعماء
جاءتنا هذه البرقية من صاحب الفضيلة الأستاذ حبيب العبيدي