كلا، أيها السادة، فالوقت مع هذا لم يحن بعد. فحتى هذا الاعتراض القوي قد ينهار من ساسه إذا صوبنا إليه سهام النقد الحادة. فنحن إذا فرضنا أن هناك نزعات لا شعورية تكمن في الحياة العقلية، ثم اتضح أن عكس هذه النزعات بالضبط هو الذي يغلب على الحياة الشعورية، فليس معنى هذا إننا أخطأنا التقدير، فربما كان هناك متسع في العقل البشري للنزعات المتضادة وللمتناقضات تكمن كل بجانب الأخرى. بل من المحتمل أن تغلب إحدى النزعات هو الذي يستلزم أن تكون النزعة العكسية لا شعورية. وعلى هذا فالاعتراضات التي تواجهنا كلها تتلخص في أن النتائج التي وصلنا إليها في تفسير الأحلام نتائج معقدة غير مستساغة. فأما كونها معقدة فإن في استطاعتنا أن نرد على ذلك بان نلفت نظركم إلى إنكم مهما كنتم مغرمين بالبساطة والسهولة فلن تستطيعوا بذلك أن تحلوا مشكلة واحدة من مشاكل الأحلام، وعلى هذا يجب عليكم أن تشرعوا في تهيئة عقولكم من الآن لتقبل نتائج صعبة معقدة. وأما كونها غير مستساغة فإنكم ترتكبون خطأ كبيرا عندما تجعلون من ميلكم للشيء أو عدمه مقياسا تحكمون به على الأشياء أحكاما علمية. فماذا يهمنا إذا كنتم ترون النتائج التي وصلنا إليها في تفسير الأحلام نتائج غير سارة أو حتى على أسوا الفروض نتائج بشعة تعافها النفس؟ أن الواجب يقتضي منا أن نطرح الميل والنفور جانبا إذا أردنا أن نقف على الحقيقة في هذه الحياة. فإذا جاء أحد علماء الطبيعة فاثبت لكم أن الحياة العضوية قيمة بان تختفي من وجه البسيطة عما قريب، أيجد أحدكم من نفسه الجرأة على مواجهته قائلا:(كلا يا سيدي هذا لن يكون لأني اكره هذا المنظر كرها شديدا)؟ أظنكم لن تقولوا شيئا من هذا القبيل حتى يأتي عالم آخر فيثبت للأول انه قد اخطأ في التقدير أو في الحساب. والواقع إنكم عندما تنكرون كل ما هو بغيض بالنسبة إليكم فإن ما تقومون به هو تكرار لعملية بناء الحلم وليس فهما لمرماه أو وصولا إلى معناه.