إن كل قانون في العصر الحاضر يدعى واضعوه كفالته للعدالة، وتحقيقه لسعادة الأفراد والأمم، وأنه جاء وفق ما تقضي به عوامل التقدم والارتقاء - لا يمكن أن يعدو في أغراضه المقاصد الآتية:
١ - تحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد والجماعات.
٢ - جلب المصالح ودرء الفساد.
٣ - قيامه بمطالب الأمة وحاجاتها، ومواءمته لميولها وفطرتها والعصر الذي يطبق فيه.
٤ - مرونته ويسره وسهولة تطبيقه.
وأنت إذا نظرت بعين التدبر والحكمة - بعد تقصي قواعد الشريعة الإسلامية وأصولها، والبحث فيما خلفه المجتهدون الإسلاميون من أحكام الفروع الملائمة لعصورهم - لم ترتب أقل ارتياب في تحقيق الشريعة الإسلامية هذه المقاصد، وإنها وصلت في سموها وعدالتها وسماحتها إلى أبعد غاية.
وما ظهر نقصه من أحكام بعض الفروع في المعاملات وغيرها ليس بعيب راجع إلى شريعة الإسلام، وإنما هو راجع إلى المسلمين الذين لم يقم علمائهم بما يجب عليهم من الاجتهاد في كل عصر حتى تجئ أحكام الفروع والوقائع الاجتهادية ملائمة للأمة، ولما جد من الأحداث والشئون.
كذلك ما قيل: إن الحدود في الشريعة قاسية لا تتفق مع روح التشريع الحديث قد فندناه ودحضناه بالبرهان وبما دلت عليه التجربة والوقائع والمشاهدات، وذلك فيما كتبناه بالعددين ٦٨١، ٦٨٢ من الرسالة في مقال (شريعة الكمال والخلود).
أما الشرائع الحديثة فهي - وإن اشتملت على مبادئ نقر بسمو كثير منها، ونعترف بدقة وضعها، وعلى أحكام يراد بها تحقيق العدالة، وإجراءات نظامية دقيقة - لم تستطع أن تقضي على كثير من الشرور والآثام التي تنخر عظام الأمم، وتنشر فيها كثيراً من الأمراض الاجتماعية والخلقية:
فقد أحلت الربا في أكثر حالاته، وهو الذي يوغر صدور بعض طبقات الأمة على بعض،