إن الذي حدا بي إلى البحث عن الأحلام وما تدل عليه، هو في الواقع رغبتي في إظهار فضل ابن سيرين على هذا الفن الذي يدعى فرويد أنه هو الذي أنشأه وأوجده، في حين أنه لم يصل إلى شهرته العظيمة في التحليل النفسي إلا بعد أن ترسم خطى ذلك المفسر العربي العظيم واقتفى أثره.
فتفسير الأحلام والتحليل النفسي هو في رأيي من عمل الأقدمين، وإذا قلت الأقدمين فإني أقصد بذلك الشرق، وهو لا يمت إلى الغرب بصلة، اللهم إلا صلة النقل ومحاولة فهمه والاستفادة منه.
ولابد لي قبل الموازنة بين ابن سيرين وفرويد من أن اشرح نظرية فرويد في تكوين الرؤيا وكيف يتصدى هو إلى تفسيرها. وكذلك سأشرح رأي ابن سيرين وطريقته في التفسير، وسيظهر جلياً كيف أن الأولى هي وليدة الثانية إن لم تكن هي هي مع قليل من التحوير، وسأبين أيضاً كيف تدل الرؤيا على حوادث المستقبل في بعض الأحيان.
تتلخص نظرية فرويد في أن الرغبة أو الأمل الذي لم يتحقق هو الذي ينبه العقل إلى العمل والتخيل أثناء النوم، وتكون النتيجة أن العقل يتخيل أن رغبته قد تحققت، أو بمعنى آخر فان الرؤيا قد تعتب حارساً للنوم، وظيفته أن يجعل النوم هادئاً مطمئناً، لأنها تخيل إلى الإنسان أن رغبته قد تحققت فلا داعي إذا إلى التفكير. ويقول فرويد أيضاً: إن بين رغبات الإنسان مالا يتفق ونظام المجتمع فقد تتمنى نفسه شيئاً محرماً يقف ضميره دون تحقيقه، فتتحين النفس فرصة يضعف فيها الضمير فتحقق رغبتها، ومن الناس من يضعف ضميره في اليقظة فيحقق رغبته المحرمة بالفعل ومنهم من لا يضعف ضميره إلا إذا نام إذ يتخيل تحقيق رغبته الملحة، وذلك في الرؤيا أي في وقت يكون الضمير فيه نائماً أو ضعيفاً فلا منع إذن ولا تإنيب، ويقول فرويد إن هذه الرغبات لا يعرف الإنسان عنها شيئاً