إن من أخبث الأمراض التي مني بها الإنسان في هذه الدنيا هو (الجذام) أو (الأسد)؛ ويرجع تاريخ نشأته إلى العصور الخالية. وقد حاول بعض علماء أوربا أن يثبتوا أن مصر من عهد الفراعنة كانت مهد هذا الداء الوبيل مستشهدين على ذلك بما وجد من نقوش في هياكل لأناس لا بد أن يكونوا قد أصيبوا بهذا المرض وهم على قيد الحياة، وخلدوا إما لسمو مكانتهم أو لأغراض أخرى وخلدت معهم أمراضهم لا عن تعمد بل عن براعة في فن النحت في ذلك العصر الغابر. إلا إن هناك فريقاً آخر يقيم الحجة، ويؤكد أن الصين والهند وبطاح آسيا هي منبته الأصلي، وهو إنما جاء إلى مصر عن طريق العدوى بالتنقل والاختلاط. وأخيراً جمع الفريقان رأيهما في صعيد واحد وقالوا سواء أكانت مصر منبعه أم آسيا منبته، فمما لا مراء فيه إنه انتقل إلى أوربا من مصر في القرون الأخيرة قبل الميلاد، وقد ذكره الشاعر الفيلسوف:(تيتوس لو كيتيوس كاروس). (عاش من سنة ٩٩ إلى سنة ٥٥ ق. م) في شعره. ووصفه الطبيب الروماني (سلزوس)(عاش من سنة ٥٣ ق. م إلى سنة ٧ ق. م) وصفاً دقيقاً بيناً مما لا يدع شكاً في أنه مرض الجذام بعينه. وقد نعت في ذاك الوقت بداء (التفيل الإغريقي) وأثبت العالم الألماني (فون برجمان) أن هذا المرض انتشر في إسبانيا وسهول لومبارديا بشمالي إيطاليا وألمانيا وفرنسا في القرن الثاني بعد الميلاد. وجاء بعده زميله العالم الباتولوجي (فرشو) وذكر في مصنفاته أن أوربا أنشأت مئات الملاجئ للمجذومين في مختلف أنحائها وذلك في القرن السابع بعد الميلاد. وذلك يدحض الرأي الذي كان شائعاً قبلاً، وهو أن الجذام لم يغز أوربا إلا عقب الحروب الصليبية أي حوالي القرن العاشر للميلاد، ويقول الداحضون لهذا الرأي إن هذا المرض جاء إلى أوربا قبل فجر المسيحية، إلا أنه ازداد انتشاراً عقب الحروب الصليبية.
وما جاء القرن الثاني عشر حتى شمل الجذام إنجلترا والدانمارك والبلاد الاسكندنافية وسائر أرجاء أوربا، ثم استمر في الانتشار والازدياد حتى القرن الرابع عشر إذ بلغ إذ ذاك أوج ازدهاره، فلما أفاقت أوربا من غفوتها وأدركت خطره، ومن ثم أخذت في مكافحته، ابتدأ في