ذكرتم يا سيدي في العدد ١٢١ من (الرسالة الغراء) أن لأهل سيوة لغة خاصة يتكلمونها في رطانة هي ابعد من اللهجات الأوربية عنا، وأنكم تسمعتم إليها فلم تهتدوا إلى كلمة واحدة تمت إلى العربية أو اللاتينية بسبب؛ وبعد أن ذكرتم أمثلة من هذه اللغة الغريبة الشاذة قلتم:(ويقال إن اصل تلك اللغة بربري مازجته العربية ثم الرومانية).
والأمثلة التي ذكرتموها تدل دلالة قاطعة على أن هذه اللغة هي بربرية لا شك فيها، وهذه الألفاظ التي استغربتموها هي نفسها لا تزال مستعملة في أفواه البربر في هذه البلاد إلى الآن.
والذي انتهيت إليه - بعد البحث الطويل في اصل هذه اللغة وفي علاقتها بالعربية - هو أنها إن لم تكن لهجة من العربية الأولى بعدت عن اصلها بتراخي الزمن وطول الأمد حتى صارت كأنها لغة مستقلة، فما لا شك فيه أنها لغة سامية (انظر بحثنا (هل البربر عرب؟ وهل لغتهم لغة ضاد أخرى؟) في مقتطف يوليو ١٩٣٤).
وأما أن العربية المدونة في القواميس قد مازجت البربرية بعد الفتح الإسلامي لبلاد البربر، فهذا أمر واقع لا شك فيه، فكلمة (تَلَشْلَشَتْ) التي قلتم إنها من أسماء الأعلام عند السيوويين هي كلمة عربية من (لشْلَشَ) إذ تردد واضطرب (بُرْبرَتْ) بادْخالِ علامة التأنيث في اللغة البربرية عليها وهي التاءان معا في أولها وفي آخرها؛ وترجمة هذه الكلمة (اللشلشة أو اللشلاشة) وكلمة (لشلاش) من أسماء الأعلام هنا في الجزائر بين العرب.
ولقد وجدت وأنا انظر في اللغة البربرية أن القاف المعقودة فيها ينطقها بعض البربر جيما مصرية، وينطقها بعضهم جيما عربية، وينطقها آخرون منهم عربية تارة ومصرية تارة أخرى، فقلت في نفسي: من يدري فلعل الجيم المصرية جاءت من هنا.
وبرابرة برقة كما يحدثنا التاريخ أغاروا على مصر أقاموا بها واثروا في لغتها، وجئتم اليوم أيها الأستاذ الرحالة فرويتم لنا أن نفس اللغة البربرية لا تزال مستعملة كلغة منزلية إلى الآن في بعض زوايا مصر، ونشرتم صورة فتاة سيوية عليها مسحة من الجمال