للثقافة قيمة مالية مقررة. فالليسانس والدكتوراه والدبلوم وما الى ذلك
من الأسماء، هي عنوان للثقافة، أو بعبارة أخرى تتويج لمجهود سنين
قضيت في تحصيل العلم، وتأتي (المالية) بعد فتقدر هذه الدرجات
بالجنيه والمليم، وتجعل لكل منها قيمة مالية خاصة، ولها العذر في أن
تخالف بين الدرجات، وتسوى بين حاملي الدرجة الواحدة وإن اختلفوا
في مقدار الثقافة، لأنه لم يخترع الى الآن مقياس دقيق يوزن به الفكر
ومقدار استعداده وزناً صحيحاً. ولو اختراع هذا الميزان لألغيت
الدرجات، واكتفى بوزن الكفايات؛ ولكن من لنا بذلك وقد عجزت
المدنية الحديثة عجزاً تاماً عن اختراع هذا الميزان.
وللثقافة كذلك قيمة اجتماعية، فالثقافة ترفع من كان من طبقة وضيعة، الى ان يكون أحياناً مساوياً لمن كان من طبقة رفيعة، فحامل الشهادة العليا يرى نفسه - وقد يرى الناس معه - أنه صالح لأن يتزوج من طبقة راقية، مهما كان منشؤه ومرباه. وقديماً قال الفقهاء في (باب الزواج): إن شرف العلم فوق شرف النسب - والمثقف الراقي له الحق أن يكون عضواً في الأندية الراقية من غير أن يسأل عن نسبه وحسبه - بل له أن يُدِلّ على أبناء الطبقة الأرستقراطية إذا نال درجة لم ينالوها، وعرف من أنواع الثقافة ما لم يعرفوا، وله من حرمة الناس في المجتمعات والأندية ما لا يناله غير المثقفين، وإن كانوا من بيت خير من بيته، وفي نسب خير من نسبه.
ولكن لا أريد أن أتحدث في شيء من هذا ولا ذاك، فليست تعنيني الآن الناحية المالية للثقافة، ولا الناحية الاجتماعية لها - وإنما أريد أن أتسأل: ما القيمة الذاتية للثقافة؟ إن المال واحترام الناس عرض خارجي، فما القيمة الثابتة التي تتصل بنفس المثقف ولا تفارقها في فقر أو غنى، وفي جاه وغير جاه؟