من محاضرة للمستر اربري أستاذ اللغة والآداب اليونانية
واللاتينية في كلية الآداب
انقضى نحو ألف من السنين والعالم الإسلامي مُولٍ ظهره لليونان وثقافته، ولم يبدأ الاهتمام بهذه الثقافة مرة أخرى إلاّ في الجيل الحديث، وهذه العودة إلى دراسة الآثار اليونانية ليست أقل الظاهرات التي امتازت بها النهضة العلمية والأدبية الجديدة في البلاد الناطقة بالضاد. وقد كان لمصر فضل السبق في هذا الميدان كدأبها في جميع الحركات الهامة.
ونظراً لأن أشعار هوميروس هي أول ثمرة أنتجتها قرائح اليونان، فكان من الملائم جداً أن يكون أول ما ترجم إلى العربية حديثاً من الآثار اليونانية إلياذة هوميروس. وقد بدأ سليمان البستاني ذلك العمل الشاق في عام ١٨٨٧، واستطاع أن يخرج للناس في سنة ١٩٠٤ ترجمة عربية كاملة منظومة. ومن الظلم البين أن يحاول الإنسان نقد هذا العمل الجليل أو الحط من شأنه، ماذا يهمنا أن نقرر بأن النظم ليس من مرتبة عالية، أو أن المعنى الأصلي - بل والروح أيضا - لم يدركه المترجم أحيانا؟ حقيقة أنه من سوء حظ المترجم أنه اختار للترجمة ملحمة لكي يظهر فيها مقدرته على النظم، فان اللغة العربية لا يلائمها هذا الضرب من القريض بنوع خاص (كذا) نظراً لما لها من نظام معقد في الوزن والقافية. ولكن على رغم هذا، الأجدر بنا ألاّ نطبّق قواعد النقد الأدبي على تلك الترجمة، بل ننظر إليها كأنها بشير ينبئنا بما يمكن للأدب العربي أن يبلغ إليه بعد.
ولا أظن أن بي حاجة إلى أن أحصي لكم المترجمات الأخرى التي ظهرت في هذا القرن. فكلنا نعلم جهود الأستاذين لطفي السيد بك، والدكتور طه حسين في هذا الباب. فبفضل ما بذلاه من جهود أصبحت اللغة العربية مرة أخرى غنية بما ترجم من آثار الفيلسوفين أفلاطون وأرسطو. وواجب على كل محب لرقي الآداب والعلوم العربية أن يشجع كل عمل من هذا القبيل. ولكني الآن أريد أن أتساءل، ومن المهم جدا أن أتساءل، هل من المستحب ترجمة الآثار اليونانية واللاتينية إلى اللغة العربية في الوقت الحاضر؟ وإذا كان هذا مستحبا، فهل يكتفي بالترجمة عن التراجم التي في اللغات الأوربية الحديثة؟ أم هل من اللازم أن يكون المترجم ملمّا بالأصل اليوناني أو اللاتيني للكتاب الذي يترجمه؟ ولنبدأ