للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكد ذهنه ويحفر في قشور الأشجار إلى أن وصل بعد ثلاث سنين إلى اختراع رموز تمثل كل كلمة أو فكرة في لغة قومه، ولكن هذه تكاثرت لدرجة يصعب على الأذهان استيعابها ففكر مرة أخرى واهتدى أخيرا إلى أن الصوت هو مفتاح اللغة فكدّ واجتهد إلى أن خلق حروفا أبجدية فاستطاع أن يكتب لغة أغنى بمفرداتها من لغاتنا!! بعد ذلك علمها قومه فتهافت عليها صغيرهم وكبيرهم إلى أن حذقوها، ومن ثم تحسنت أحوالهم العمرانية وازدادت ثروتهم وخطوا في سبيل المدنية خطوة واسعة، ولكن جشع الأبيض وظلمه كانا دائبين. فما زال بأراضيهم يغتصبها بقوة السلاح إلى أن تشردت قبائل الشيروكي وتقلصت حدودهم. لم يقف سيكويا عند هذا الحد بل خرج وهو في الثانية والثمانين من عمره في صحبة صبي صغير ليدرس لهجات الهنود المختلفة ويضع بعد ذلك لغة عامة للهندي الأحمر. فعبر السهول والجبال ولكن مات رفيقه الصبي من مشاق الرحلة فسار وحده ضاربا في الفيافي المقفرة والغابات الموحشة والجبال الشامخة المكسوّة بالجليد، إلى أن وقفه الضعف والإعياء فحطّ رحله قرب حدود المكسيك لآخر مرة. ودفن حيث مات في حفرة عادية، ولم تلبث الذئاب أن نبشت قبره وبعثرت عظامه.

هذا رجل من عظماء العالم قل من يعرفه، حتى قبره امتهن ولم تكن عليه أقل إشارة تدل على عقله الراجح ونفسه العظيمة ولكن العبقرية لا تفنى فقدر لأسمه أن يقترن بهذه الأشجار الخالدة وسوف يخلّد معها إلى أبد الآبدين.

وأشعر بعد طول هذه المقدمة أن أقصر كلامي على حرج واحد من الأحراج الثلاثة، لا لأنه أهمها فقط بل ولأنه أعجبها. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>