للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صور من الحياة:]

يوم عيد. . .

للأستاذ كامل محمود حبيب

ما أشد وقعك - يا يوم العيد - على نفسي، لأنك قذى في عيني وشجى في حلقي وأسى في قلبي! فالدار خاوية من الأحباء تلفظني في غير هوادة ولا لين، والطريق خلو من الرفيق يدعني إلى غير غاية، والنفس خواء إلا من خطرات الحزن وخلجات الاسى، والقلب يحس لذع الوحدة فيلمس الجدب والامحال فيما حوله وإنه ليرى الدنيا أمامه تموج بالزهر النضير والفرحة المتوثية والعبث البريء والثوب الجديد. وهؤلاء أقاربي قد حبوني بالجفوة والقلى، فرق بيني وبينهم نهم المال وجشع الذهب فما أرى فيهم إلا العداوة والبغضاء وإلا الازورار والعبوس، وأخي. . . أخي الذي أحبه قد أوصد بابه من دوني لأنه أراد أن يكون واحداً من ذوي قرابتي. أما زوجي فقد فزعت عني لاختلاف في الرأي والثقافة وتباين في المشرب والبيئة، فخلعت رشدها واستنامت إلى حماقته فطارت إلى دار أبيها لتذرني وحيداً في يوم العيد. وأبنائي أين هم؟ إنهم لم يدرجوا - بعد - في فناء الدار فتمتلئ به حياة وبهجة، ويطفح في قلبي نوراً وضياء وتزخر نفسي هدوداً وسكينة. وجلست إلى نفسي أشكو بثي وأنا أشرف على الناس من حولي وهم يضطربون في لجة العيد، يرفلون في الجديد ويتدافعون إلى البشرى ويغتمرون في المرح. ووجدت لوحدتي حرقة ضاقت لها نفسي فترقرقت العبرات في محجري تريد أن تنهمر. . وشملني الخزي على أن أكون رجلاً لمعت في فوديه شعرات بيض علامة الرجولة والعقل، وتألقت في رأسه فلسفة الحياة، وكابد حلو العيش ومره؛ ثم استخذى لهذه الخواطر أو أتعبد للضعف الإنساني وآذاني أن أستسلم للوحدة فتصفعني مرة وتعكرني مرة ثم لا أستطيع أن أنفلت من بين مخالبها وإنها لتعصرني عصراً. وأهبت بشجاعتي فطرت عن الدار على أجد السلوى والراحة أو أجد متنفساً من همومي أو أنفض عن نفسي الشجن، فألفيت - آخر الأمر - ملجأ في مقهى من مقاهي القاهرة. وفي المقهى جلست إلى فنجان القهوة والسيجارة إليها أتحدث حديث ميراث ضئيل لم أطعم لذته بعد ولكني أدفع قطرات من دمي الحار أنزفها يوم العيد من خلال هموم تتوالى فلا تذرني إلا حطاماً. وغرقت في خضم الفكرة فاستولت مشاعري فما أحس

<<  <  ج:
ص:  >  >>