الآراء في الأدب والشعر كثيرة يضل القارئ المبتدئ بينها فلا يدري أيها المصيب وأيها المخطئ ولا يسهل عليه الفصل بين الأصيل منها والدخيل
ولكنني - على تبعتي كما يقولون في لغة السياسة - أقرر هنا قاعدة مضمونة الصواب، يستطيع أن يعتمد عليها من شاء فيصون وقته ويريح نفسه من العناء، وهي: أن أقرب الآراء في الأدب والشعر إلى الخطأ هو الرأي الذي يفرض على الأديب موضوعاً لا يعدوه، ويوجهه إلى مطلب ينحصر فيه، كائناً ما كان ذلك الموضوع من جلالة القدر، وبالغاً ما بلغ ذلك المطلب من سعة الأفق
فالأدب تعبير عن الحياة
والحياة أكبر من أن تنحصر في غرض واحد أو تعتكف على سنة واحدة، فليس أوسع من شعور الأحياء بالحياة، وليس أوسع من تعبير الشعراء والكتاب عنها
خطأ أن يقال للأديب أنك مطالب بالكتابة في شئون السواد الجاهل ومحرم عليك أن تخط شعراً أو نثراً لا يفهمه هؤلاء، لأن صعود الجاهل إلى طبقة العارف أكرم وأجدى على بني الإنسان من نزول العارف إلى طبقة الجاهل
وخطأ أن يقال للأديب إن مسائل العيش هي موضوع الكتابة الوحيد في هذا الزمان أو في أي زمان. لأننا نكرم الأديب ولا نرحم الفقير بهذا المذهب. فليس من الكرامة للأدب أن يكون فرعاً ملحقاً بالمطاعم والأفران، وليس من الرحمة للفقير أن يقضي نهاره في الكدح للعيش ثم يتناول كتاباً ليقرأه فإذا هو أيضاً كدح للعيش من طريق البصر والبصيرة
وخطأ أي يقال للأديب إنك مقيد بأقاليمك فلا تكتب حرفاً يخرج بك من نطاق ذلك الإقليم. لأن غارس البصلة - ودع عنك الأدب - لا يقول لها وهو يغرسها: كوني إقليمية ولا تشبهي البصلة التي تنبت في خارج هذا الإقليم. ولكنه يغرسها وتخرج هي على ما تشاء لها التربة والنور والهواء، ولا نظن البصلة أقدر على الاستقلال (بالتكيف) الإقليمي من الفكرة الإنسانية. فمن كتب في مصر فلن تكون كتابته إلا مصرية ولو كان موضوعها قطب الشمال أو قطب الجنوب، ولن يصبح الأدب الذي يكتبه النرويجي المصري الإقليم