للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مقتل شاعر]

للأستاذ علي الطنطاوي

أفاق (هُدْبَة بن خَشْرَمَ) وما يدري أصبح أم مساء، وما يعلم من أمر الحياة شيئاً. . ولقد غبر عليه سبعة أعوام ما رأى فيها وضح النهار، ولا اجتلى صفحة السماء. كأنما هو نصف حي، وكأن حياته (مختصر حياة). . فالسنوات السبع بنعيمها وبؤسها، وليلها ونهارها، ليلة واحدة، طالت وامتدت، ثم لا يكون صبحها إلا الموت. . والدنيا على ربحها وسعتها، وجمالها وجلالها، غرفة ضيقة فيها أكثر معاني القبر. . . وما بعدها إلا القبر!

ونظر يميناً، ونظر شمالاً، وجعل ينفض المكان بعينه، فلا يبصر إلا الظلام، وحاول النهوض فجذبته إلى الأرض سلاسل غليظة، شدوه بها إلى حلقةٍ متينة. . .

سمع صَلصَلة الحديد في عنقه ويديه، فعاد إلى نفسه يذكر ما كان من أمره، ويستعيد قصته كلها، ويرى كيف. . . دخلت عليه أخته فاطمة، وبيدها المِجْمَر، فقال لها:

- ويحك ما هذا؟

- هذا لك! قم أستجمر، إنما أنت من النساء

- وما ذاك لا أمّ لك؟

- فقالت: أنت قابع في كسر الخيمة كما تقبع العجوز، وهذا زيادة يتغزل في أختك، ويرسل فيها الشعر يفضحها به في العرب

- ماذا؟ زيادة؟

- زيادة! نعم. زيادة يهتك نسائك، ويفري عرضك. . .

فوثب هُدبة يقول: زيادة يهتك نسائي ويفري عرضي؟. . والله لأجأنَّه بهذا السيف. فقامت إليه تعنفه وتلومه:

- والله ما علمت أنكمجنون إلا الساعة! أتعمد إلى ابن عمك فتقتله، فتحقق ما قاله فيّ، وتنصرف بسبّة الدهر؟ قلْ في أخته (أم قاسم) مثل ما قال الخبيث في أختك، فإذا بدأك بالشر، جزيته به شراً

- إذاً لأجعلنها والله أحدوثة الأبد

- شأنك بها يومئذ. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>