مهما تختلف الآراء في تاريخ اقدم أثارة من الأدب الفارسي الحديث فان مؤرخا يستطيع أن يقول أن ظهور هذا الأدب صحب ظهور الإمارات الوطنية في إيران، فهذه الإمارات بعثت الأمل في نفوس الفرس وأتاحت لهم فرصة يستطيعون فيها التقرب بالمدائح وغيرها إلى أمراء يفهمون عنهم، ويعجبون بهم، ويسرهم أن تحيا آداب لغتهم وآثار آبائهم.
وأمر آخر يسترعي نظر مؤرخ الآداب الفارسية، هو ظهور هذه الآداب في الديار النائية عن البلاد العربية وعن بغداد حاضرة الخلافة والمدنية الإسلامية، إذ كانت هذه الديار أبعد من سلطان الأدب العربي الذي كان ترجمان حضارة الإسلام كلها حقبا طويلة. ثم استقلال الإمارات كذلك يبدأ في الأقطار النائية، وإنما تنقص الأرض من أطرافها. ومن أجل ذلك أتيح لخراسان البعيدة مهد أول دولة فارسية عظيمة في العصر الإسلامي أن تكون مبعث الأدب الفارسي الحديث. ولم تنل هذا الشرف فارس مهد الدول القديمة على تبريزها في العلم وتقدمها على خراسان فيه. حتى يقول أبو أحمد الكاتب كاتب الأمير إسماعيل بن احمد الساعاتي:
لا تعجبن لعراقي رأيت له ... بحرا من العلم أو كنزا من الأدب
واعجب لمن ببلاد الجهل منشؤه ... أن كان يفرق بين الرأس والذنب
يريد ببلاد الجهل ما وراء النهر وجهات خراسان.
ولى المأمون طاهر بن الحسين خراسان ثم جعلها ولاية لذريته فاستمروا يلونها حتى سنة ٢٥٩ نحو ٥٠ عاما. ولكنها كانت أمارة صغيرة قصيرة المدة. وكانت الأسباب لما تتهيأ لانبعاث الأدب الفارسي. ثم بنو طاهر لم يعنوا بالأدب الفارسي، وروي أن رجلا أهدى كتابا إلى عبد الله بن طاهر وهو في نيسابور فسأله ابن طاهر ما هذا؟ قال قصة (وأمق وعذراء) التي ألفها بعض الحكماء للملك أنوشروان، فقال الأمير: نحن قوم نقرأ القران ولسنا في حاجة إلى غير القران والحديث. فما لنا ولهذه الكتب التي ألفها المجوس؟ ثم أمر ألقى الكتاب في الماء، وأمر أن يحرق كل كتاب في ولايته بلغة المجوس. ويقول عوفي