جزم اكثر المستصينين بأن غاية (كونفيشيوس) من فلسفته العملية كانت إصلاح الهيئة الاجتماعية في عصره، وإحداث تجديد أخلاقي وعمراني وسياسي في الدولة، ولكن العالم المحقق (زانكير) يرى أن هذا غير صحيح، ويصرح بأن حكيمنا لم تكن له غاية تحقيق الواجب في ذاته، وأن النظريات التي ترمي إلى المنفعة أو إلى السعادة أو التي تعلل الأمر والنهي الأخلاقيين بعلة خارجة عن الواجب لا أثر لها في مذهبه وهو في هذه الناحية يشبه (كانت) في رأي الأستاذ (زانكير) إذ كلاهما يأمران باتباع الواجب لذاته لا لشيء آخر، وهو يستدل على صحة رأيه بالنص الآتي من كلام (كونفيشيوس) في كتاب (لون - يو): (إن الحكيم يتعطش إلى الفضيلة، والرجل العامي يتحرق إلى اللذائذ المادية، وإن الحكيم يعنى بأن يلاحظ الواجب ويذعن له والرجل العامي لا يهتم إلا بأن يتصيد ما فيه من فوائد، وإن الحكيم لا يفهم في العموم إلا الواجب، أما العامي، فهو لا يفهم إلا منفعته)
لا ريب أن هذا النص يؤيد الأستاذ (زانكير) فيما ذهب إليه لأنه صريح في أن الحكيم لا يأبه إلا للواجب في ذاته، وأنه إذا حاد عن هذا الطريق فاكترث بأي شيء آخر كلذة أو منفعة هوى إلى صفوف العامة والجماهير، والآن وبعد أن أثبتنا أن (كونفيشيوس) كان في مقدمة القائلين بـ (الفيذاتية) المطلقة، نريد أن ندرس مذهبه الأخلاقي على ضوء نصوصه كما هي طريقتنا دائماً في هذه الدراسات.
قال (كونفيشيوس) في كتاب (تشونج - يونج) ما نصه: (إن الطبيعة هي الإرادة الإلهية