كانت أمور الشام ولا سيما البلاد الشمالية في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس مضطربة بين سلطان الفاطميين والأمراء المتغلبين من بني حمدان ومواليهم ومن رؤساء القبائل العربية. وقد استولى صالح بن مرداس الكلابي صاحب الرحْبة على جلب في هذا الاضطراب سنة ٤٠٢. ثم وقعت خطوب رَدّت حلب إلى سلطان الفاطميين حيناً. فلما قتل نائب الفاطميين عزيز الدولة سنة ٤١٢، وتولى من قِبلهم ابن شعبان طمع صالح ابن مرداس في التغلب على نوّاب الفاطميين فحالف أثنين من رءوس العرب هما حسَّان الطائي وسنان بنُ عليّان الكلبي واتفقوا على أن يقتسموا الشام من حلب إلى حدود مصر. فصارت حلب وما يليها لصالح، ودمشق لسنان، والرملة وما يليها إلى مصر لحسَّان. وذلك عام ٤١٤. وقد تقدمت أبيات المعري التي تذكر هذا التقسيم.
هذه حوادث وقع بعضها في العقَد الأول من القرن الخامس ومعظمها في العَقد الثاني. فهذه الأبيات قد نظمت كذلك في هذين العقدين ولا سيما الثاني منهما.
ثانياً - يُذكر صالح بن مرداس في اللزوميات مرات أخر لحادث آخر كان له في نفس المعري اثر باق.
نقل ياقوت عن أبي غالب بن مهذب المعري في حوادث سنة ٤١٧ من تاريخه:(صاحت امرأة يوم الجمعة في جامع المعرة وذكرت أن صاحب الماخور أراد أن يغتصبها نفسها. فنفر كل من في الجامع وهدموا الماخور واخذوا خشبه ونهبوه. وكان أسد الدولة (صالح) في نواحي صيدا فوصل الأمير أسد الدولة فاعتقل من أعيانها سبعين رجلا. وذلك برأي وزيره تادرس بن الحسن الأستاذ. وأوهمه أن في ذلك إقامة للهيبة - قال ولقد بلغني أنه دعي لهؤلاء المعتقلين بأمد ومياقارتبن على المنابر - وقطع تادرس عليهم ألف دينار. وخرج الشيخ أبو العلاء المعري إلى أسد الدولة صالح وهو بظاهر المعرة وقال له: مولانا