تقول اللغة في مشهور ما تقول: طرب الرجل: فرح، وطرب: حزن. وتقول أيضاً: راعه الأمر أعجبه، وراعه: أفزعه
والقائم في الأذهان أن لفظيْ الروعة والطرب من باب الأضداد المتعارف شأنهما في خصائص الفصحى؛ على حين أنهما في الحق لا يدلان على واحد من الضدين بعينه حقيقة ووضعاً، فحقيقتهما ووضعهما للموجان والتضرّب لا غير. فالروعة والطرب يدلان كلاهما على اهتزاز النفس وتحركها، وهيْج الخاطر وتأثره؛ وإنما يدل كل منهما على معنيي الفرح والحزن دلالة مجازية يبين السياق نص موقعها من الإبانة والإفهام، وتؤازر القرائن المقصود لذاته منها أسلوب الكلام
وربما كان الصوت الرخيم شبيه ما نحن بصدده من هذين اللفظين، فإن الدلالة المعنوية للصوت الرخيم على معنيي الحزن والفرح، أكثر شيء وفاقاً لدلالة لفظي الروعة والطرب على ذَيْنِك المعنيين
متى ذكر جمال الصوت ورقته، انصرف الذهن أول ما ينصرف إلى الفرح؛ فالغناء فيما يبدو للناس على وجه عام، بريد المسرة، ووافد الابتهاج. مع أنه في حقيقة الأمر يستنبث الشجو، كما يستثير الغبطة؛ ويرتاح له الشعور الحزين، كما يأنس به البال الرفيه. فهو منتجع الشجيين والخليين على سواء بينهما. وكم أنبطَ الغناء من عبرات حِرَار لم تكن تبضَّ قطراتها لولا رِشاء النغم الحنون!
تلك هي النائحة المستأجرة، تبعث صوتها المتحزِّن في مناحات النساء، فإذا به وقود تتضرّم به مجامر الزفرات، ورنين تستيقظ به كوامن الأحزان. فتمضي النساء وقد حضرتهن الهموم يبكين شجْوَهن!
وهذا ابن سريح ظل صدر شبابه ينوح. وقد أُنسيت: أين؟ أفي مكة أم في المدينة؟ وحيثما كان فقد نوّح دهراً وهو ورقاء هتوف، قبل أن يغني في بغداد وهو بلبل صَيْدَح. . . هاج صوته خلف الجنائز لواعج الحزانى، من المكيين أو المدنيين بين رجال ونساء، وأحيا ذلك