في عدد سابق من الرسالة الغراء كنت كتبت في (البريد الأدبي) كلمة حول مقال للأستاذ الخطيب الطبيب حامد الغوابي في صدد كلامه على الخمر وقصر العمر وإحصائيات شركات التأمين على الحياة. . وقلت فيها إن العمر لا يقصر بشرب الخمر مستشهداً بقوله تعالى (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً). وقد تفضلت (الرسالة) فأوجزت ردها البليغ باستشهادها بقول الله تعالى: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) وكنت ارتحت إلى رد الرسالة ولم أشأ التعقيب عليه لأنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولكن الأستاذ الدكتور الغوابي يتفضل بعد أن تفضلت الرسالة فيعلق على ما كتبته وما كتبته الرسالة زيادة منه في الإيضاح والإفصاح. . ونحن نشكر للأستاذ تفضله الجميل النبيل، ولكنا نختلف معه في قليل مما كتب وبه عقب؛ نختلف معه في أن شارب الخمر قد يطول عمره على شارب الحديد والكينا وأنواع الأدوية والعقاقير. . وقد يولد التوءمان فيشرب أحدهما الخمر من شبابه إلى مشيبه ويزهد الآخر فيها، ومع هذا يطول عمر الشارب ويقصر عمر الزاهد فيموت هذا ليمتد العمر بذاك ليشرب ويشرب سنين وسنين. .!
وقد يدهس (الترام) - كحد قول الدكتور - رجلين: شارب خمر وزاهداً فيها فيموت الزاهد وينجو الشارب. .
وقد يلقى مهووسان أرعنان بنفسيهما من حالق أو شاهق فيموت القوي والضعيف لا يموت. .
وقد يمتد العمر بالعليل الهزيل ولا يمتد بالقوي الصحيح لسبب ظاهر أو لآخر يعلمه الله. . وقد. وقد.
وإذاً فمن الواجب على الكاتب أو الباحث أو الطبيب ألا يخلط بين (العمر) و (الصحة)، وبين القضاء والدواء. فالدواء لا يمد في العمر إذا حل القضاء وإنما يخفف من وطأة الألم والدواء بإذن الله والأجل إذا حل معه الموت والوحي بالرغم من كل داء ودواء. .