الدكتور عزيز سوريال عطية أحد القلائل - بين المؤرخين العالميين - الذين كرسوا جهودهم لدراسة الحروب الصليبية في عهدها الأخير، ولإيضاح الصراع الهائل الذي كان بين الشرق والغرب إبان العصور الوسطى، والذي كانت تذكي حماسته عوامل مختلفة بعضها ماديّ وبعضها روحي. ولقد أصدر منذ بضعة أعوام كتابه عن (حرب نيقوبوليس الصليبية) فلقي من تحبيذ الهيئات العلمية والجامعات الأوربية ما دفع مؤلفه للسير في هذا السبيل الشائك برغم ما يعترض سبيل الباحث من عقبات كأداء تكاد تصرفه عن متابعة البحث في تلك الناحية.
واليوم يفاجئ المؤلف المصري باحثي التاريخ بكتاب آخر يضعه في مصاف أقطاب مؤرخي هذه الناحية الصعبة الولوج، إذ أصدر في الشهر الغابر كتابه الثاني الضخم (الحروب الصليبية في نهاية العصور الوسطى) في قرابة ٦٢٠ صفحة من القطع الكبير، أصدرته مطبعة ماتيوين في إنجلترا في طبعة أنيقة، ولقد شمل الكتاب من اللوحات الفنية الملونة وغير الملونة عدداً لا يستهان به، وقد نقلت هاتيك اللوحات من المخطوطات الأصلية الموجودة في المتحف البريطاني ومكتبة الفاتيكان بروما وليدن وغيرها من مكاتب أوربا، ولا مشاحة في أن هذه اللوحات تعين القارئ على تفهم كثير مما يلقاه في ثنايا هذا السفر الضخم، كما أضاف المؤلف لكتابه خرائط عدة منقولة عن مخطوطات الرحالة التركي بيرى رئيس، الموجودة في مكاتب برلين ودرسدن، ولا شك في أن الدكتور عطية قد ذلل للقارئ السبيل بما قدمه له من خرائط رسمها بنفسه حتى يتفهم المرء من غير عسر مضمون أبحاث هذا الكتاب
وينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام كبيرة، استعرض المؤلف في أولها تاريخ الشرق والغرب من حيث الحروب الصليبية وعلاقتها بالتاريخ العام في تلك الفترة، وشمل ثانيها تحليلاً للأصول الأوربية في الدعاية لهذه الحروب ومشروعاتها المختلفة، وألم المؤلف في ثالثها بموقف الشرق بما في ذلك أمم التتر والطوائف المسيحية الشرقية إزاء الحروب الصليبية؛